المشرب والكسوة التي تصلي فيها وتصل بها والهدية التي تهديها إلى الله تعالى عزوجل وإلى رسوله صلىاللهعليهوآله من أطيب كسبك ، يا عبدالله اجهد أن لا تكنز ذهبا ولا فضة فتكون من أهل هذه الاية التي قال الله عزوجل «الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله (١)» ولا تستصغرن من حلو أو فضل طعام تصرفه في بطون خالية لتسكن بها غضب الله تبارك وتعالى.
واعلم أني سمعت من أبي يحدث من آبائه عن أمير المؤمنين عليهالسلام أنه سمع النبي صلىاللهعليهوآله يقول لاصحابه يوما : «ما آمن بالله واليوم الاخر من بات شبعان و جاره جائع» فقلنا : هلكنا يا رسول الله ، فقال : من فضل طعامكم ومن فضل تمركم ورزقكم وخلقكم وخرقكم تطفئون بها غضب الرب (٢) وسانبئك بهوان الدنيا وهوان شرفها على ما مضى من السلف والتابعين.
فقد حدثني محمد بن علي بن الحسين قال عليهالسلام : لما تجهز الحسين عليهالسلام إلى الكوفة أتاه ابن عباس فنا شده الله والرحم أن يكون هو المقتول بالطف فقال : أنا أعروف بمصرعي منك وما وكدي من الدنيا إلا فراقها (٣) ، ألا اخبرك يا ابن عباس بحديث أمير المؤمنين عليهالسلام والدنيا؟ فقال له : بلى لعمري إني لاحب أن تحدثني بأمرها ، فقال أبي : قال علي بن الحسين عليهالسلام : سمعت أبا عبدالله الحسين عليهالسلام يقول : حدثني أميرالمؤمنين عليهالسلام قال : إني كنت بفدك في بعض حيطانها ، وقد صارت لفاطمة عليهاالسلام قال : فاذا أنا بامرأة قد هجمت علي وفي يدي مسحاة وأنا أعمل بها ، فلما نظرت إليها طار قلبي مما تداخلني من جمالها فشبهتها ببثينة بنت عامر الجمحي وكانت من أجمل نساء قريش فقالت : يا ابن أبي طالب هل
____________________
(١) التوبة : ٣٥.
(٢) قوله : «فقلنا هلكنا» أى هكنا بما قلت ، أو نحن نشبع وجيراننا يبيتون جياعا وليس عندنا ما يشبعهم ، فقال صلىاللهعليهوآله : «من فضل طعامكم» أى انفقوا فضل طعامكم وفضل ثيابكم وان كان خلقا باليا خرقا ، تسكن به غضب ربكم.
(٣) الوكد ـ كفلس ـ : المراد ، والمقصد ، والهم. و ـ كقفل ـ : السعى والجهد.