وندبه إلى الاستعانة على قليل ما كلفه وهو معرض (١) عما أمره وعاجز عنه قد لبس ثوب الاستهانة فيما بينه وبين ربه ، متقلدا لهواه ، ماضيا في شهواته ، مؤثرا لدنياه على آخرته ، وهو في ذلك يتمنى جنان الفردوس ، وما ينبغي لاحد أن يطمع أن ينزل بعمل الفجار منازل الابرار. أما إنه لو وقعت الواقعة ، وقامت القيامة ، وجاءت الطامة ، ونصب الجبار الموازين لفصل القضاء ، وبرز الخلائق ليوم الحساب أيقنت عند ذلك لمن تكون الرفعة والكرامة ، وبمن تحل الحسرة والندامة ، فاعمل اليوم في الدنيا بما ترجو به الفوز في الاخرة.
يا ابن جندب قال الله عزوجل في بعض ما أوحي : « إنما اقبل الصلاة ممن يتواضع لعظمتي ، ويكف نفسه عن الشهوات من أجلي ، ويقطع نهاره بذكري ، ولا يتعظم على خلقي ، ويطعم الجائع ويكسو العاري ويرحم المصاب ويؤوي الغريب (٢) فذلك يشرق نوره مثل الشمس ، أجعل له في الظلمة نورا وفي الجهالة حلما ، أكلاه بعزتي (٣) وأستحفظه ملائكتي ، يدعوني فالبيه ، ويسألني فاعطيه ، فمثل ذلك العبد عندي كمثل جنات الفردوس لا يسبق أثمارها ، ولا تتغير عن حالها.
يا ابن جندب الاسلام عريان ، فلباسه الحياء ، وزينته الوقار ، ومروته العمل الصالح ، وعماده الورع ، ولكل شئ أساس ، وأساس الاسلام جبنا أهل البيت.
يا ابن جندب إن الله تبارك وتعالى سورا من نور ، محفوفا بالزبرجد و الحرير ، منجدا بالسندس (٤) والديباج ، يضرب هذا السور بين أوليائنا وبين أعدائنا ، فإذا على الدماغ وبلغت القلوب الحناجر ونضجت الاكباد من طول
____________________
(١) الضمير يرجع إلى «من وهب الله».
(٢) في بعض النسخ «ويواسى الغريب» يقال : واسى الرجل اى آساه وعاونه.
(٣) كلا الله فلانا : حفظه وحرسه.
(٤) منجدأ أى مزينا.