يا هشام إن ضوء الجسد في عينه ، فإن كان البصر مضيئا استضاء الجسد كله. وإن ضوء الروح العقل ، فإذا كان العبد عاقلا كان عالما بربع وإذا كان عالما بربه أبصر دينه. وإن كان جاهلا بربه لم يقم له دين ، وكما لا يقوم الجسد إلا بالنفس الحية فكذلك لا يقوم الدين إلا بالنية الصادقة ، ولا تثبت النية الصادقة إلا بالعقل.
ياهشام إن الزرع ينبت في السهل ولا ينبت في الصفا (١) فكذلك الحكمة تعمر في قلب المتواضع ، ولا تعمر في قلب المتكبر الجبار ، لان الله جعل التواضع آلة العقل ، وجعل التكبر من آلة الجهل ، ألم تعلم أن من شمخ إلى السقف (٢) برأسه شجه (٣) ومن خفض رأسه استظل تحت وأكنه ، وكذلك من لم يتواضع لله خفضه الله. ومن تواضع لله رفعه.
ياهشام ما أقبح الفقر بعد الغنى ، وأقبح الخطيئة بعد النسك ، وأقبح من ذلك العابد لله ثم يترك عبادته.
ياهشام لا خير في العيش إلا لرجلين : لمستمع واع ، وعالم ناطق.
ياهشام ما قسم بين العباد أفضل من العقل ، نوم العاقل أفضل من سهر الجاهل ما بعث الله نبيا إلا عاقلا حتى يكون عقله أفضل من جميع جهد المجتهدين. وما أدى العبد فريضة من فرائض الله حتى عقل عنه (٤).
يا هشام قال رسول الله صلىاللهعليهوآله. «إذا رأيتم المؤمن صموتا فادنوا منه ، فانه يلقى الحكمة. والمؤمن قليل الكلام كثير العمل والمنافق كثير الكلام قليل العمل».
ياهشام أوحى الله تعالى إلى داود عليهالسلام « قل لعبادي : لا تجعلوا بيني وبينهم
____________________
(١) الصفا : الحجر الصلد الضخم.
(٢) شمخ ـ من باب منع ـ : علا ورفع.
(٣) أى كسره وجرحه.
(٤) أى ما يؤدى العبد فريضة من فرائض الله حتى عرف الله إلى حد التعقل ، أو أخذ عنه.