وأما العدد فالشبهة فيه آكد ، ويشبه في ظاهر النظر أن يكون علم العدد هو علم « ما (١) بعد الطبيعة ». إلا أن يكون علم « ما بعد الطبيعة » إنما يعني به شيء آخر ، وهو علم « ما هو مباين » من كل الوجوه للطبيعة ، فيكون قد سمي هذا العلم بأشرف ما فيه. كما يسمى هذا العلم بالعلم الإلهي أيضا ، لأن المعرفة بالله تعالى هي (٢) غاية هذا العلم. وكثيرا ما تسمى الأشياء من جهة المعنى الأشرف ، والجزء الأشرف ، والجزء الذي هو كالغاية. فيكون كأن هذا العلم هو العلم الذي كماله ، وأشرف أجزائه ، ومقصوده الأول ، هو معرفة ما يفارق الطبيعة من كل وجه. وحينئذ (٣) إذا كانت التسمية موضوعة بإزاء هذا المعنى لا يكون لعلم العدد مشاركة له (٤) في معنى هذا الاسم ، فهذا هذا (٥).
ولكن البيان المحقق لكون علم الحساب خارجا عن علم « ما بعد الطبيعة » هو أنه سيظهر لك أن موضوعه ليس هو العدد من كل وجه ، فإن العدد قد يوجد في الأمور المفارقة ، وقد يوجد في الأمور الطبيعية ، وقد يعرض له وضع في الوهم مجردا عن كل شيء هو عارض له. وإن كان لا يمكن أن يكون العدد موجودا ، إلا عارضا لشيء في الوجود. فما كان من العدد وجوده في الأمور المفارقة ، امتنع أن يكون موضوعا لأية نسبة اتفقت من الزيادة والنقصان ، بل إنما يثبت على ما هو عليه فقط ، بل إنما يجب (٦) أن يوضع بحيث يكون قابلا لأي زيادة اتفقت ، ولأي نسبة اتفقت إذا كان في هيولى الأجسام التي هي (٧) بالقوة كل (٨) نحو من المعدودات ، أو كان في الوهم ، وفي الحالين جميعا هو غير مفارق
__________________
(١) ما : يما ج ، ص
(٢) هى : هو ب ، ج ، ط ، م
(٣) وحينئذ : فحينئذ ج ، ص ، م
(٤) له : ساقطة من ب
(٥) فهذا هذا : فهذا ب ، ط ، م ؛ هذا ص
(٦) يجب : يجوز م
(٧) هى : الذي هو ب ، ج ، ط ، م
(٨) كل : ساقطة من ط.