وقعت (١) في هذا النوع من الشقاء الأبدي ، لأن أوائل الملكة العلمية أنما كانت (٢) تكتسب بالبدن لا غير وقد فات ، وهؤلاء إما مقصرون عن السعي في كسب الكمال الأسنى (٣) ، وإما معاندون جاحدون (٤) متعصبون لآراء فاسدة مضادة للآراء الحقيقية ، والجاحدون (٥) أسوأ حالا لما اكتسبوا من هيئات مضادة للكمال. وأما أنه كم ينبغي أن يحصل عند نفس الإنسان من تصور (٦) المعقولات حتى يجاوز به الحد الذي في مثله تقع هذه الشقاوة ، وفي تعديه وجوازه (٧) ترجى هذه السعادة ، فليس يمكنني (٨) أن أنص عليه نصا إلا بالتقريب. وأظن أن ذلك أن يتصور نفس الإنسان المبادي المفارقة (٩) تصورا حقيقيا ، وتصدق بها (١٠) تصديقا يقينيا لوجودها عندها (١١) بالبرهان وتعرف العلل الغائية للأمور الواقعة في الحركات الكلية دون الجزئية التي لا تتناهى ، وتتقرر عندها (١٢) هيئة الكل ونسب (١٣) أجزاء (١٤) بعضها إلى بعض ، والنظام الآخذ من المبدإ (١٥) الأول إلى أقصى الموجودات الواقعة في ترتيبه ، وتتصور (١٦) العناية وكيفيتها ، وتتحقق أن الذات المتقدمة للكل أي وجود يخصها ، وأية (١٧) وحدة تخصها ، وأنها كيف تعرف حتى لا يلحقها تكثر وتغير بوجه من الوجوه ، وكيف ترتيب نسبة الموجودات إليها. ثم كلما ازداد الناظر استبصارا ازداد للسعادة (١٨) استعدادا ، وكأنه (١٩) ليس يتبرأ الإنسان عن هذا العالم وعلائقه إلا أن يكون أكد العلاقة مع ذلك العالم فصار له شوق إلى ما هناك وعشق لما هناك فصده عن الالتفات إلى ما خلفه جملة.
ونقول أيضا : إن هذه السعادة الحقيقية لا تتم إلا بإصلاح الجزء العملي من النفس ، ولنقدم (٢٠) لذلك مقدمة ، وكأنا قد ذكرناها فيما سلف ، فنقول : إن الخلق هو ملكة يصدر بها من (٢١) النفس أفعال ما بسهولة من غير تقدم روية ، وقد أمر في كتب الأخلاق بأن يستعمل التوسط بين الخلقين (٢٢) الضدين لا بأن نفعل أفعال التوسط دون أن تحصل ملكة التوسط ،
__________________
(١) وقعت : وقع د ، ب. (٢) كانت : ساقطة من د ، ص. (٣) الأسنى : ساقطة من ح ، ص. (٤) جاحدون : جاهدون ط. (٥) والجاحدون : والجاهدون ط. (٦) تصور : تصورات د. (٧) وجوازه : وجوازيه ب ، ح ، ص ، ط. (٨) يمكننى : يمكنى د. (٩) المفارقة : العالية ح. (١٠) بها : لها د. (١١) عندها : عنده ب ، د. (١٢) عندها : عنده ، ب ، د. (١٣) نسب : ساقطة من د. (١٤) أجراء : إجرائه ب ، د. (١٥) من المبدأ : مبدأ د. (١٦) وتتصور : وتصور د. (١٧) وأية : وأى ب. (١٨) للسعادة : فإسعاده ب. (١٩) وكأنه : كأنه د. (٢٠) ولنقدم : ونقدم ب ؛ فنقدم د. (٢١) من : عن ب ، ح ، د ، ص. (٢٢) بين الخلقين ... التوسط : ساقطة من د.