الثواب والخلاص من العقاب فلا ينافي الاخلاص لانهما بأمره تعالى وتكليف أكثر الخلق باخلاص النية منهما قريب من التكليف بالمحال ، بل هو عينه ، نعم ذلك درجة المقربين من الانبيآء والاوصياء والصديقين صلوات الله عليهم أجمعين ، ومن ادعى ذلك من غيرهم فلعله لم يفهم معنى النية ، وجعلها محض حضور البال ، وهو ليس من النية في شئ ، والنية هو الغرض الواقعي الباعث على الفعل.
وهذا مثل أن يقال : في طريقك أسد ولا تخف منه ، وأعدنا لك مائة ألف تومان للعمل الفلاني ، ولا يكن باعثك على العمل ذلك ، وهذا إنما يصدق في دعواه إذا علم من نفسه أنه لو أيقن أن الله يدخله بطاعته النار وبمعصيته الجنة يختار الطاعة ويترك المعصية تقربا إلى الله تعالى ، وأين عامة الخلق من هذه الدرجة القصوى والمنزلة العليا؟ وقد مر تحقيق ذلك وساير مايتعلق به في باب الاخلاص (١) من هذا الكتاب ، وفي بعض مؤلفاتنا العربية والفارسية ، نعم يمكن أن يراد في هذه الآية ذلك بناء على أن من خوطب به صلىاللهعليهوآله صاحب هذه الدرجة الجليلة ، لكن الظاهر أن الخطاب لتعليم الامة.
ثم اعلم أنه ربما يستدل بهذه الآية على كون الاخلاص المذكور من أحكام الاسلام ، وأن كل مسلم مأمور بذلك ، لقوله : « وأنا أول المسلمين » فانه يدل على أن غيره أيضا مكلف مأمور بذلك ، وأنه أولهم ، مع ماثبت من عموم التأسي وعلى أن صحة الصلاة بل سائر العبادات موقوفة على الاخلاص المذكور ، وماتضمنه من معرفة الله ووحدانيته وكونه ربا للعالمين ، أي منشئا ومريبا لهم ، فيستلزم ذلك وجوب العلم بكونه قادرا وعالما وحكيما ، إذ الاخلاص يستلزم ذلك.
وقد يناقش في استلزام وجوب الاخلاص المذكور توقف صحة العبادة على الاخلاص نفسه ، وما يستلزمه من المعرفة لان كل ما كان واجبا لشئ لا يجب أن يبطل ذلك عند عدمه بالكلية ، ويجاب بأنه إذا ثبت كون العبادة مأمورا بها على هذا الوجه ، فاذا لم يأت بها على الوجه الخاص لم يأت بالمأمور به ، فتكون باطلة ، و
____________________
(١) راجع ج ٧٠ ص ٢١٣ ٢٥٠.