وقال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى « تبارك الذي نزل الفرقان » (١) تفاعل من البركة معناه عظمت بركاته وكثرت عن ابن عباس ، والبركة الكثرة في الخير.
وقيل : معناه تقدس وجل بما لم يزل عليه من الصفات ولا يزال وقيل معناه قام بكل بركة وجاء بكل بركة « سبحانك رب البيت » أي انزهك عن أن تكون في جهة من الجهات وأن يكون البيت الذي توجهت إليه مسكنك وتحتاج إليه بل أنت ربه خلقته وكرمته وتعبدت الخلايق بالتوجه إليه.
« وجهت وجهي » أي وجه قلبي « للذي فطر السماوات والارض » أو وجه جسدي إلى بيته والجهة التي أمرني بالتوجه إليها ، والفطر الابتداء والاختراع والايجاد بعد العدم ، قال ابن عباس ماكنت أدري فاطر السماوات والارض حتى احتكم إلى أعرابيان في بئر فقال أحدهما أنا فطرتها (٢) أي ابتدأت حفرها ، والصلاة إما لبيان أنه لايستحق العبادة إلا من كان خالقا لجميع الموجودات فكأنه قال إنما صرفت وجهي وتوجهت بشراشري إلى الله وأخلصت العبادة له وأعرضت عما سواه ، لانه خالق السماوات والارض ، ومن كان خالقا لهما فهو خالق لما سواهما ، أو المراد بخالقهما خالقهما وخالق ما فيهما ، أو هي للاشعار بأن توجهي إلى تلك الجهة ليس لكونه تعالى فيها بل لانه خالق الارض والسماوات ، وجميع الجهات ، وخالق المكان لايجوز أن يكون فيه أو محتاجا إليه.
وفي بعض الروايات بعد ذلك « عالم الغيب والشهادة » أي أخلص العبادة للذي لايخفى عليه شئ ويعلم ماظهر للحواس وما غاب عنها ، ومن كان كذلك يستحق العبادة ، أو لابد من الاخلاص في عبادته لانه عالم بالبواطن ، أو المعنى أنه ليس في شئ من الاماكن ذاتا حاضر في جميعها علما وتدبيرا وتأثيرا وقدرة ، فنسبته إلى الجميع على السواء لكونه خالقا للجميع مربيا لها وعالما بها وليس في شئ منها.
« على ملة إبراهيم » أي التوحيد التام الخالص في الظاهر والباطن ، وهو ملل
____________________
(١) الفرقان : ١ ، راجع مجمع البيان ج ٧ ص ١٦٠.
(٢) أي شققتها.