استنكر علىٰ أبي جعفر رفعه صوته عند قبر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قائلاً : يا أمير المؤمنين لا ترفع صوتك في هذا المسجد ، فإنّ الله تعالىٰ أدّب قوماً فقال : ( لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ) ومدح قوماً فقال : ( إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ ) الآية... وذمّ قوماً فقال : ( إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ ) الآية... وإنّ حرمته ميتاً كحرمته حياً.
وعلىٰ هذا قال السبكي : دلّت الآية علىٰ الحث علىٰ المجيء إلىٰ الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم والاستغفار عنده واستغفاره لهم ، وذلك وإن كان ورد في حال الحياة ، فهي رتبة له لا تنقطع بموته ، تعظيماً له.
قال : والآية وردت في أقوام معينين في حالة الحياة ، فتعمّ بعموم العلّة كل من وجد فيه ذلك الوصف في الحياة وبعد الموت ، ولذلك فهم العلماء من الآية العموم في الحالتين ، واستحبّوا لمن أتىٰ قبره صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يتلو هذه الآية ويستغفر الله تعالىٰ.
وحكاية العتبي ـ وهو من مشايخ الشافعي ـ مشهورة ، وقد شهد أعرابياً جاء إلىٰ قبر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فتلىٰ هذه الآية واستغفر وانصرف.. وقد حكاها المصنفون في المناسك من جميع المذاهب ، والمؤرخون ، وكلهم استحسنوها ورأوها من آداب الزائر وما ينبغي له أن يفعله (١).
في هذا المبحث فقرتان :
الأولىٰ : في اثبات مشروعية الزيارة في السنّة النبوية.
_________________________________
(١) شفاء السقام : ٨١ ـ ٨٢.