لقد فقدت من تلك القرية كلّ شيء إلاّ شيئاً واحداً رافقني منها إلى المدينة ، كان ذلك الشيء حبّي وولعي بالأساطير والقصص الخياليّة.
لكن من لي بهذه المدينة « العاقلة » الرماديّة ليحكي لي تلك الأساطير ؟! إنّ عجائز المدينة واعيات أكثر من اللاّزم ، وقد لا تتوفر لهنّ الفرصة لسرد أقاصيص سمعنها في طفولتهنّ ، ففي بيوت أبنائهن وبناتهنّ الكلّ منشغل ، فالكبار يتابعون الأخبار على موجات الراديو المحليّة والعالميّة ، والأطفال أغنتهم قصص الصور المتحركة عن الإنجذاب إلى حكايات غير مرئيّة.
ولطالما أغاظتني حكايات رفاقي الأطفال في مدرستنا عن ذلك المسلسل أو تلك المسرحيّة التلفزيونيّة وأبطالها ، حيث كنت أسمع أحاديثهم والأسف يعتصرني لأنه لم يكن عندنا بالبيت جهاز تلفزيون ، لكن عزائي الوحيد كان في القصص.
نعم ، لئن كنت فاقداً في بيئتي الجديدة للأساطير القروية وفاقداً لجهاز تلفزيون في المدينة ، فقد اتجهت رغبتي وانصبّ شوقي إلى المطالعة التي كان معلّمونا يشجعوننا عليها ويوفرونها لنا مجّاناً في المدرسة ، وكنت أرى في تلك الأقاصيص الطفولية امتداداً لعالم الأساطير وتعويضاً عنها ، حيث كانت تلك القصص مطرّزة بأغلفة مزيّنة وجذابة ، وكذلك الحال مابين صفحاتها.
كم كنت نهما في مطالعتها ، ربّما لأنّها
كانت تحيلني إلى جنّتي المفقودة ـ قريتنا ـ حيث كانت أحداث تلكم القصص تدور حول الذئب المغرور ، وقصة حياة حبّة قمح ، أو لربّما كانت تحكي عن جحا