تمكن منّي! وهم يتصورون أنّ المرض قد بدأت علاماته تظهر على جسمي وللتو .. ولما يستيقن المرء من أن الموت هو قد لحق به ، وصار يهز بجناحيه عند رأسه ، وهي ترفرف خفاقة ، وتصفق أطراف الهواء ، وتعجن ألوان أفكاري بضروب من القيح الذهني .. ذلك أنّي آنست ناراً لعلي آتي نفسي أول ما آتي بقبس منها ، ثُمّ أدفع به إلى أهلي وعشيرتي. لأ نّه لا يمكن أن أمنحهم نفحة من هذا القبس حتّى أعتنق عقيدة الإنسياق وراء أضوائه ، لتشع بعد ذلك فيوضه على جنبات وجهي ، وتشمل فوديّ ، وتطبع صدغيّ بلمسات إنارة مصحوبة بفنون كُلّ الإنعكاسات .. فليس لي أن أدعو أهلي إلى التشيع ، وأنا ما زلت أكابد حرّ أوجاع أفكاره ، وكيف صار لها أن تنادمني كُلّ ليلة ، وتقارع أهوائي ، وتخلد إلى كُلّ ما يخلد إليه فكري ، وصارت تؤانسني ، وتلح علي بالكلام ، وبالضبط بعد أن شعرت أنّ قاسماً قد تغيّر ، ليس هو قاسم الأمس الذي كنت أعرف. وما كنت لأعني أنّه انقلب تنيناً إلاّ أن قاسماً الذي كنت أعرف ، كان يتهجم على الشيعة ، وذلك عندما تتيح له الفرصة مثل ذلك ، حينما يطرق سمعه حديث عنهم أو مقالة تتقصد البحث في معتقداتهم وأئمتهم! بينما كان قاسم الذي كنت أعرف ، يعمل على مطاردة أخبار الشيعة ، ويتسقط ألوان حكاياهم ، ويتندر على فعالهم ، ويتعقب أحداثهم بلهجات ملؤها السخرية ، حتّى كان يعبّ منها دائماً ، بل ظل يسقيني من زعافها الحرّيف حتّى أثملني حد الشبع ، وبلغ بي عنفوان التخمة. فإذا ما زايلني وأنا على هذا الوضع وهذه الحال ، فإذا به يفجأني في ظهيرة أحد الأيام ، حينما رأيته مستبشراً ، واضح الأسارير ، منبلج المحيا ، وقد سيطر عليه شعور هو أشبه بشعور من قد عانق أعمدة السجون ، وصارع نوافذها المعقضبة حتّى غامر في إختراق الجدر