ـ « إذن هو يكفّر جميع المسلمين؟ ».
قال :
ـ « أجل ، وعكسه الشيخ أبو بكر المقري الواعظ ، حيث كان قد ذهب في جوامع بغداد إلى تكفير الحنابلة أجمع (١)! ولقد لقي الشيخ عبد الغني المقدسي ، المتوفى سنة ٦٠٠ للهجرة ، من التحامل عليه ، والتكفير له ، وللحنابلة بدمشق ، ما يطول ذكره حتّى هجر دمشق ».
ـ « إذن التكفير كان قد أصبح عرفاً حاكماً على تلك العصور؟ ».
ـ « لقد غدا تكفير الفرق بعضها البعض أمراً شائعاً ، يحز في صدر الحق ، ويؤلم التاريخ وقعه ، ويتبرأ الإسلام منه. فهذا أبو سهل بن زياد القطان ، وكان من الحفاظ والثقات عندهم ، يذهب إلى تكفير المعتزلة ، مستدلاً بقوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ .. ) الآية. وثارت فتن عمياء ، وقعت حوادث مؤلمة ، ما كان مبعثها سوى التعصب الأعمى ».
ـ « ..؟! ».
ـ « .. فهذا الشيخ أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزابادي المتوفى سنة ٤٧٩ للهجرة ، وكان شيخ الشافعية ، وعالمهم المبرز ، تعصب الحنابلة عليه ، فتكلّموا فيه ، وبالغوا في الأذى بألسنتهم ، فثارت فتنة عظيمة ، أدت إلى ذهاب نفوس من الطرفين. وانتصر السلطان لأبي إسحاق ، فسجن شيخ الشافعية. وهذا الفقيه أبو منصور ، المتوفى سنة ٥٦٧ ، قتله الحنابلة بالسم تعصباً
____________
(١) تذكرة الحفاظ ٣ : ٣٧٥ ، شذرات الذهب ٣ : ٢٥٣.