فمن الواضح أنَّ سياق الحديث من حيث إستعراض وصي موسى (عَليهِ السَّلامُ) ، وأنَّه إنَّما كان وصياً لكونه أعلم الناس من بعده ، ومن ثمَّ ذكر خصوصيات وصفات الوصي في هذه الأمَّة بالتفصيل ، فكلّ هذه القرائن تؤكّد على أنَّ المقصود هو الوصية بالخلافة ، والأمر في منتهى الوضوح ، ولكن بما أنَّه لم يكن هناك بدّ من قبول الخبر وروايته ، فلابدَّ إذن من اللجوء إلى تحريفه عن واقعه ومعناه الحقيقين إرضاءاً للرغبات ، وتقرباً لسلاطين الجور والضلال ، وتمويهاً للحقائق الناصعة ، والأحاديث الثابتة.
ومن أمثلة حذف بعض من أقوال الصحابة مع عدم الإشارة إلى الحذف ما فعله (ابن عبد البر) في ترجمة قصيدة الصحابي الأنصاري (النعمان بن عجلان) في (الإستيعاب) ، حيث حذف منها بيتين قالهما في وصية الرسول (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) بحقِّ علي (عَليهِ السَّلامُ) ، وهما :
|
فذاك بعون الله يدعو إلى الهدى |
|
|
وينهى عن الفحشاء والبغي والنكر |
|
|
وصي النبي المصطفى وابن عمه |
|
|
وقاتل فرسان الضلالة والكفر |
|
ومن مظاهر الكتمان أيضا ما روي في (مسند أحمد) من أنَّه قال :
|
(جاء رجل فوقع في علي ، وفي عمار ، عند عائشة ، فقالت : ـ أمّا علي ، فلستُ قائلة لك فيه شيئاً ، وأمّا عمّار فإنِّي سمعتُ رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ) يقول فيه : ـ لا يخيَّر بين أمرين إلّا اختار أرشدهما) ١. |
______________________
(١) ابن حنبل ، أحمد ، مسند أحمد بن حنبل ، ٦ / ١١٣.