ومن هنا يتم فهم تردد المؤرخ إزاء الخوض في مسائل معرفيات التاريخ ، يمشي فلا يهمه أن يعرف كيف ولماذا يمشي ، يخشىٰ إن هو توقف ليسائل نفسه ، يسقط إما في أحبال النظاميين ومؤرخي السلطة ، وإما في متاهات الذات صحبة دعاة التأصيل ، ويعلم أن نطاق التاريخ محدود بما هو رسمي وما تداولته الموسوعات القديمة من جانب وبالحقيقة من جانب آخر ، وأن المفهوم لا يتضح في الافهام إلّا بالمقارنة مع كل واحد منها ، ولكنه لا يقول رغم ذلك أن النظرية علىٰ هذا المستوىٰ من التجريد لا تفيده ، لأنّ عنده الإحتراز واجب ، ونحن قلنا ذلك منذ البداية ، لكن التاريخ لا يهم المؤرخ وحده ، يهم المجتمع ككل ، وهل يستطيع أن يحفظ الذكر من يجهل مزالق الفهم ؟ (١)
بقي الهم الوحيد الذي يجب إدراكه هو تحديد ماهية التاريخ وقيمته ، بحيث يتم إدراجه كعلم لدراسة الشواهد والأحداث وتخليصه من الأسطورية والقدسية التي انطبع بها كي يعبّر عن المحيط الطبيعي الذي أنتجه حتىٰ يتسنىٰ لنا أن نوحّد معرفيا علم الماضي وعلم الحاضر بإخضاع كل واحد للآخر.
إذن ، تبقىٰ المباحث المدروجة في الكتاب هي محاولة للثورة علىٰ المعتقد القديم والسائد وكمحاولة لإخراج دراسة تاريخ الإسلام من الحالة التي وجد عليها إلىٰ حالة أكثر ديناميكية ، تكشف القناع عن المستور وتُفعِّله كي تهتز الأسس المهترئة والتي وقعت تحت تعسف
______________
(١) عن عبدالله العروي بتصرف ، مفهوم التاريخ : ٢ / ٤٠٧.