الحق لا يعرف بالرجال ، اعرف الحق تعرف أهله. (١)
فإضفاء هالة من الأُبهّة على السلف هو الذي أوقع البعض في هذه المفارقات ، لأن الصحابة هم أُناس كسائر البشر يخضعون للمقاييس الإلهية ، فمن آمن بالله ورسوله وكتبه وأحكامه وسار على هداها فإنّما اهتدى لنفسه ، ومن ضل عن ذلك فإنّما يضل عليها.
فمجرد الصحبة للنبي صلىاللهعليهوآله ليست بعاصمة للصحابي عن مناقشة آرائه ومواقفه ، لأنّ مكانة النبي صلىاللهعليهوآله كالشمس المشعة ، ومن صاحبه كالمرايا ، فما صفا منها عكس ضوء النبوة بمقدار صفائه ، وما كدر منها لم يزده ضوء الشمس إلّا صدأً وتهرؤاً ، فالنقص إذن في المصاحِب لا المصاحَب صلىاللهعليهوآله.
والإمام علي بن الحسين زين العابدين قد مدح صحابة رسول الله الذين ثبتوا على منهاجه صلىاللهعليهوآله ولم يبدّلوا ولم يُغيّروا ، وذلك في دعائه عليهالسلام في الصلاة على اتباع الرسل ومصدّقيهم ، فقال :
|
اللّهم وأصحاب محمد خاصّة الذين أحسنوا الصحبة ، والذين أبلوا البلاء الحسن في نصره ، وكانفوه ، وأسرعوا إلى وفادته ، وسابقوا إلى دعوته ، واستجابوا له حيث اسمعهم حجة رسالاته ، وفارقوا الأزواج والأولاد في إظهار كلمته ، وقاتلوا الآباء والأبناء في تثبيت نبوّته ، وانتصروا به ، ومن كانوا منطوين على محبته ، يرجون تجارة لن تبور في مودته ، والذين هجرتهم العشائر إذ تعلقوا بعروته ، وانتفت منهم القرابات إذ سكنوا في ظل قرابته ، فلا تنس لهم اللهم ما تركوا لك وفيك وأرضِهم من رضوانك. |
_______________________________________
١. تفسير القرطبي ١ : ٣٤٠ ، وانظر وسائل الشيعة ٢٧ : ١٣٥ / ٣٢.