[ ثامنها ] ولمّا رُمِيَتْ بما رُمِيَتْ اشتدَّ ذلك على النبيِّ صلىاللهعليهوآله ، واستشارني في أمْرِها ، فقلتُ : يا رسولَ الله سَلْ جاريتَها بَريرَةَ واسْتَبْرِى حالَها منها ؛ فإنْ وَجَدْتَ عليها شيئاً فَخَلِّ سبيلَها ، فإنّ النساءَ كثيرةٌ فأمَرني رسولُ الله أنْ أتَوَلَى مسألةَ بَريرَةَ وأسْتَبْرىَ الحالَ منها ففعلتُ ذلك فَحَقِدَتْ عليِّ ، ووالله ما أرَدْتُ بها سُوءً لكنّي نَصَحْتُ لله ولرسوله صلىاللهعليهوآله.
وأمثال ذلك ، فإنّ شئتم فَاسْألوها ما الذي نَقَمَتْ عليَّ ! حتّى خَرَجَتْ مع الناكثين لِبَيْعَتي ، وسَفْكِ دِماءِ شيعتي ، والتظاهرِ بينَ المسلمين بعداوتي لِلْبَغْي والشِقاقِ والمَقْتِ لي بغيرِ سببِ يُوجِبُ ذلك في الدينِ ؛ والله المستعانُ ».
فقال القومُ : القولُ والله ما قلتَ يا أميرَ المؤمنين ، ولقد كشفتَ الغُمَّةَ ؛ ولقد نَشْهَدُ أنّك أوْلى بالله ورسولِهِ صلىاللهعليهوآله ممَّنْ عاداك. فقام الحَجّاجُ بْنُ عَمْروٍ الأنصاريُّ فَمَدَحَهُ في أبياتٍ نكتفي بما ذكرناه مِنْ هذه الجملة عن إيرادِها.
هذا ولو تأمل القارئ في خطبة الزهراء عليهاالسلام لرآها تذكّرهم بأن الله قد اختار أباها محمداً إذ الخلائق بالغيب مكنونة ، وانتجبه قبل أن يُرسله إلى الخلائق ، ومعنى كلامها عليهاالسلام بأنه صلىاللهعليهوآله كان المصطفى عند الله في الأزل وقبل أن يخلق الخلق ، وقد أكد هو صلىاللهعليهوآله على هذه الحقيقة بقوله : كنت نبياً وآدم بين الماء والطين. (١)
والإمام علي أكّد للحارث الهمداني بأنه صدّق بمحمد بن عبدالله صلىاللهعليهوآله وآدم بين الروح والجسد ، وذلك بقوله : إلا إني عبدالله وأخو رسوله وصدّيقه الأوّل ؛ صدقته
_______________________________________
١. مناقب ابن شهرآشوب ١ : ١٨٣ ، عوالي اللئالي ٢ : ١٢١ ، ينابيع المودة ١ : ٤٦ ، وفي طبقات ابن سعد ١ : ١٤٨ قوله صلىاللهعليهوآله ( بين الروح والطين من آدم ) وفي سيرة ابن كثير ١ : ٣١٧ ( وآدم منجدل في الطين ) ، وانظر مسند أحمد ٤ : ٦٦ ، المستدرك للحاكم ٢ : ٦٠٩ ، مصنف ابن أبي شيبة ٨ : ٤٣٨ ، المعجم الكبير ١٢ : ٧٣ ، الاحتجاج للطبرسي ٢ : ٢٤٨ ، الفضائل لابن شاذان : ٢٤ ، أُسد الغابة ٣ : ١٣٢ وغيرها وفيها قوله ( وآدم بين الروح والجسد ).