وأمَرَهُ بمثلِ ما أمَرَ صاحِبَهُ ، فَانْهَزَمَ ولم يَثْبُتْ. فساء ذلك رسولَ الله صلىاللهعليهوآله فقال لهم ظاهراً مُعْلِنا : « لاَعطِيَنَّ الرايةَ غَداً رَجُلاً يُحِبُّ الله ورسولَهُ ويُحِبُّهُ الله ورسولُهُ ؛ كَرَّارا غَيْرَ فَرَارٍ ، لا يَرْجِعُ حتّى يَفْتَحَ الله على يَدَيْهِ ». فأعطاني الرايةَ ، فصبرتُ حتّى فَتَحَ الله تعالى على يَديّ. فَغَمَّ ذلك أباها وأحْزَنَهُ فَاضْطَغَنَتْهُ عليَّ ، ومالي إليها مِنْ ذنْبٍ في ذلك ، فحَقِدتْ لِحقْد أبيها.
[ خامسها ] وبعث رسـولُ الله صلىاللهعليهوآله بسورةِ براءَةٍ وأمَرَهُ أنْ يَنْبَذَ العهدَ للمشركين ويُنادي فيهم ، فمضى حتّى انحرف ، فأوْحى الله تعالى إلى نبيِّهِ صلىاللهعليهوآله : أنْ يَرُدَّهُ ويأخُذَ الآياتِ فيُسَلِّمَها إليَّ فَسَلَّمَها إليَّ ، فَصَرَفَ أباها بإذنِ الله عزّ وجلّ. وكان فيما أوّحى إليه الله أنْ لا يؤدِّيَ عنك إلّا رجلٌ منك ، فكُنْتُ مِنْ رسولِ الله وكان منّي ، فَاضْطَغَنَ لذلك عليَّ أيضاً ، واتَّبَعَتْهُ ابْنَتُهُ عائشةُ في رأيه.
[ سادسها ] وكانت عائشةُ تَمْقُتُ خديجةَ بنتَ خُوَيْلِدٍ ، وتَشْنَؤُها شَنَآنَ الضَرائرِ ، وكانتْ تَعْرِفُ مكانَها مِنْ رسولِ الله صلىاللهعليهوآله فَيَثْقُلُ ذلك عليها ، وتَعَدّى مَقْتَها إلى ابنتِها فاطمةَ ، فَتَمْقُتُني وتَنْقُتُ فاطمةُ وخديجةَ ؛ وهذا معروفٌ في الضَرائر.
[ سابعها ] ولقد دخلتُ على رسولِ الله صلىاللهعليهوآله ذاتَ يومٍ قبل أنْ يُضْرَبَ الحجابُ على أزواجِهِ وكانت عائشةُ بِقُرْبِ رسولِ الله فلمّا رآني رَحَّبَ بي وقال : اُدنُ منّي يا عليُّ ، ولم يَزَلْ يُدْنِيني حتّى أجْلَسَنِي بينه وبينها ؛ فَغَلُظَ ذلك عليها ، فأقْبَلَتْ إليَّ وقالت بِسُوءِ رأيِ النساءِ وتَسَرُّعِهِنَّ إلى الخطابِ : ما وَجَدتَ لأسْتِك يا عليُّ موضعاً غير موضع فَخذي ؟! فَزَجَرَها النبيُّ صلىاللهعليهوآله وقال لها : « ألِعليٍّ تقولين هذا ؟! إنّه واللهِ أوَّلُ مَنْ آمَنْ بي وصَدَّقَني وأوَّلُ الخَلْقِ وروداً عليَّ الحوضَ ؛ وهو أحَقُّ الناسِ عَهْداً إليَّ ؛ لا يُبْغِضُهُ أحدٌ إلّا أكَبَّهُ الله على مَنْخِرِهِ في النارِ » فَازْدادَت بذلك غَيْظا عليَّ.