ندمت بعد ذلك ، وكتبت رقعة اعتذر واستغفر ، ودخلت الخلاء وأنا أُحدث نفسي وأقول : والله لئن ردّت الصرّة لم أحلّها ولم أنفقها حتى أحملها إلى والدي فهو أعلم منّي ، فخرج إليّ الرسول : أخطأت إذ لم تعلمه ، إنّا ربّما فعلنا ذلك بموالينا وربّما سألونا ذلك يتبركون به. وخرج إليّ : أخطأت بردّك برّنا ، وإذا استغفرت الله فالله يغفر لك ، وإذا كان عزيمتك وعقد نيّتك أن لا تُحْدث فيها حدثاً ولا تنفقها في طريقك فقد صرفناها عنك ، وأمّا الثوبان فلا بُدّ منهما لتحرم فيهما.
قال : وكتبتُ في معنيين ، وأردت أنْ أكتب في معنىً ثالثٍ ، فقلت في نفسي : لعلَّه يكره ذلك ، فخرج إليَّ الجواب في المعنيين ، والمعنى الثالث الذي طويته ولم أكتبه ، قال : وسألت طيباً ، فبعث إليَّ بطِيبٍ في خرقة بيضاء فكانت معي في المحمل ، فنفرت ناقتي بعسفان وسقط محملي وتبدّد ما كان معي ، فجمعت المتاع وافتقدت الصرّة واجتهدت في طلبها ، حتى قال بعض من معنا : ما تطلب؟ فقلت : صرّة كانت معي ، قال : وما كان فيها؟ قلت : نفقتي ، قال قد رأيت من حمَلها. فلم أزل أسأل عنها حتى آيست منها ، فلما وافيت مكّة حللت عيبتي وفتحتها فإذا أوّل ما بدأ عليّ منها الصرّة ، وإنّما كانت خارجاً في المحمل ، فسقطت حين تبدّد المتاع.
قال : وضاق صدري ببغداد في مقامي ، فقلت في نفسي : أخاف أن لا أحُجَّ في هذه السنة ولا انصرف إلى منزلي ، وقصدت أبا جعفر اقتضيه جواب رقعة كنت كتبتها ، فقال : صِرْ إلى المسجد الذي في مكان كذا وكذا ، فإنّه يجيئك رجل يخبرك بما تحتاج إليه ، فقصدتُ المسجد وأنا فيه إذ دخل عليّ رجل ، فلما نظر إليّ سلّم وَضَحِكَ ، وقال لي : أبشر فإنك ستحج