أولم يَبلغكم ما قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) لي ولأخي : هذان سيِّدا شباب أهل الجَنَّة ، فإنْ صدَّقتموني فيما أقول وهو الحَقُّ ، والله ما تعمَّدت الكذب مُنذ علمت أنَّ الله يَمقت أهله ، وإنْ كذَّبتموني فإنَّ فيكم مَن إنْ سألتموه عن ذلك أخبركم ، سَلوا جابر الأنصاري ، وأبا سعيد الخِدري ، وسهل الساعدي ، وزيد بن أرقم ، وأنس بن مالك يخبروكم أنَّهم سمعوا هذه المَقالة ، مِن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) ، أما في هذا حاجز لكم عن سَفك دمي؟ إلى أنْ قال ـ فإنْ كنتم في شَكٍّ مِن ذلك ، أو تَشكُّون في أنِّي ابن بنت نبيِّكم ، فو الله لا يوجد بين المشرق والمغرب ، ابن بنت نَبيٍّ غيري ، ويَحكم ، أتطلبوني بقتيل منكم قتلته ، أو مال لكم استهلكته؟
ثمَّ نادى : يا شَبث بن ربعي ، ويا حجَّار بن أبجر ، ويا قيس بن الأشعث ، ويا يزيد بن الحارث ، ويا عمرو بن الحجَّاج ، ألم تكتبوا إليَّ أنْ قد أينعت الثمار ، واخضرَّت الجِنان ، وإنَّما تُقدِم على جُند لك مُجنَّد».
لقد أسمعهم شِبل علي (عليه السّلام) خِطاباً قويم اللَّهجة ، قويَّ الحُجَّة ، لو كان ثَمَّة مُنصِفٌ ؛ لكنَّما القوم لم يُقابلوه إلاَّ بكلمة : إنَّا لا ندري ما تقول! انزل على حُكم بَني عَمِّك ، وإلاِّ فلسنا تاركيك.
كلمة مُرَّة طُليت بالقحة ، وتُبطُّنِت بالعَجرفة والانحراف ، نحو الزور والغُرور ، فأجابهم حسين العُلا : «لا والله ، لا أُعطيكم بيدي إعطاء الذليل ، ولا أقرُّ لكم إقرار العبيد ، يأبى الله ذلك لنا ورسوله (صلَّى الله عليه وآله) ، وحُجور طابت وطَهُرت ، فلا نؤثِر طاعة اللئام على مَصارع الكرام».
لكنَّما المُظاهرة باحتجاجه ، لم تَذهب سُدى وعَبثاً ، فما مَدَّ الظلام رواقه ، حتَّى انجذب إلى الحسين (عليه السّلام) ، عديد مِن فرسان ابن سعد ، مِن ذوي المروءة والفتوَّة ، ثائبين تائبين عند المُخيَّم الحسيني.