خُروج الحسين (عليه السّلام) مِن مَكَّة
كان الحسين (عليه السّلام) أوسع علمٍ ، وأقوى ديناً مِمَّن انتقدوا عليه الخروج مِن مَكَّة ، قبل إكمال الحَجِّ ، مُستبدِلاً حَجَّه بعُمرةٍ مُفرَدة ؛ ليتسنَّى له الخروج يوم التروية ، ومُجاوزة حدود الحرم بأقرب وقت مُمكِن ؛ إذ صار بين جاذبٍ ودافعٍ ، تجذبه ظاهراً أنباء حِجَّاج العراق ، بأنّ ابن زياد تأهَّب للخروج مِن البصرة نحو الكوفة ، والحسين (عليه السّلام) يعرف مَبلغ دهائه وريائه ، وقوَّة إقدامه وجَسارته ، وأنَّه إذا سبق الحسين (عليه السّلام) إلى الكوفة ، قَلَب القلوب ، وقَطَع عليه الدروب ، واستعمل لخُذلان مسلم كلَّ وسيلةٍ وحيلةٍ ، وأنَّ مُسلماً بنفسيَّته الحربيَّة ، قد تَخْفَى عليه الحركات السياسيَّة ؛ فلا يَنجح مع ذلك الشيطان رجُل المروءة والإيمان ؛ فخرج إلى الكوفة مُسرعاً ، إنقاذاً لمُسلم وللمسلمين.
وأمَّا دافعه مِن الحرم ، فعلمه بالمَكايد المُدبَّرة مِن خصومه لحصره ، أو اغتياله في مَكَّة مِن حين تَفرُّق الحاجِّ منه ؛ فيُصبح إمَّا مَقتول ، أو مُقاتَل ، وفي كِلا الأمرين هَتْكُ الحرم ، المَمنوع فيه سَفك