العَطش ومَقتل العبَّاس
يقفُ العقل حائراً ، كلَّما فَكَّر في النظام العائلي ، أو الداخلي ، سواء لأُسرة الحسين (عليه السلام) ، أم لصحبه وحسن تربيته لآله وعياله ؛ فكانوا حتَّى في الشدائد أتبع له مِن ظِلاله ، وأطوع مِن خَياله ، ولا ينهض بأمر الجماعة مِثل حُسن الطاعة ، ولستُ مُغالياً في قولي : طاعة أميركم فيما تكرهون ، ولا عُصيانه فيما تُحبِّون. فالانكسار كان أبعد شيءٍ مِن مِثل هذه الجماعة ، لو لم تُصبهم فاقة جوع أو عَطش ، فلا نرى شِمراً مُبالغاً في قوله لقومه ، عن الحسين (عليه السّلام) وأهله : إنَّهم إذا وصلهم الماء ، أبادوكم عن آخركم.
وكان إحصار جيش الحسين (عليه السّلام) عن الماء ، أقوى أسلحة عدوِّه عليه ، ومَن عَدَّ الصبر على الجوع مُتعسِّر ، يَعدُّ الصبر على العَطش مُتعذِّر ، سيَّما مِن فحولة هاشم وسيوفهم في أيمانهم ، والماء بين أعينهم ، ويَسمعون بآذانهم ضَجَّة صِبيَتهم ، عُطاشى ومرضى ، ونَخصُّ مِن بينهم الفتى الباسِل ، أبا الفضل العبّاس (رضوان الله عليه) ، فقد أثَّرت عليه الوضعيَّة ، وأثارت عواطفه ؛ فتقدّم