توبة الحُرِّ وشهادته
مَن يدرس أحوال البشر مِن وِجهتها النفسيَّة ، ويَسبر غَوره ، يَجد الأخيار صِنفين : صِنفٌ يَتطلَّب مصالحه الشخصيَّة في ظِلّ إحياء عقيدته واحترامه ، وهؤلاء أكثر الأخيار ، ثمَّ أرقى منه صِنفٌ يُقدِّم إحياء عقيدته ، حتَّى على حياته الشخصية ، وقد كانت وضعيَّة الحُرِّ الرياحي ، بادئ بدء تُنزَّل مَنزلة مَن يُحبُّ الجَمع بين احترام مصالحه الذاتيَّة ، في ضِمن احترامه لعقيدته في الحسين بن فاطمة (عليه السّلام) ، زعماً منه أنَّ الحسين (عليه السّلام) لابُدَّ وأنْ سيصالح أُميَّة القويَّة ، أو يُسامحونه بمغادرته بلادهم ؛ فيكون الحُرّ حينئذ غيرَ آثمٍ بقتال الحسين (عليه السّلام) ، وغير خَاسر جوائز الوِلاة وترفيعاتهم.
وعليه ، فقد كان يُساير الحسين (عليه السّلام) بالسَّماح والتساهل ، ويُصاحبه بتأدُّب واحترام ، غير إنَّ المُظاهرات القاسية ، التي قام بها جيش الكوفة مِن جِهة ، والمُظاهرات الدينيَّة الأخلاقيَّة ، التي قام بها حسين الفضيلة مِن جِهة أُخرى ، أنارتا فِكرته ، وأثارتا عاطفته ، فارتقى في استكمال نفسه إلى العُلوِّ ، أو الغلوِّ في حُبِّ السعادة والشهادة ؛