فجاء إلى ابن سعد قائلاً :
أمُقاتل أنت هذا الرجل؟
فأجابه : نعمْ ، قتالاً أيسره أنْ تَسقط الرؤوس ، وتطيح الأيدي.
فقال الحُرّ : أفما لكم فيما عرضه عليكم رضا؟
فأجابه : أما لو كان الأمر إليَّ لفعلت ، ولكنَّ أميرك قد أبى.
فرجع الحُرُّ وهو يتمايل ويَرتعد ، وأخذه مِثل الأفْكَل ؛ إذ شعر بأنَّه كان السبب لحصر الإمام.
فقال له مَن يُجاوره ، وهو يُحاوره : إنَّ أمرك لمُريب ، فوالله ، لو سُئلتُ عن أشجع أهل العراق لمَا عدوتك ، فماذا أصابك يا بن يزيد؟ فأجابه الحُرّ : ويحَك ، إنِّي أُخيِّر نفسي بين الجَنَّة والنار ، ووالله لا أختار على الجَنَّة شيئاً ، وإنْ قُطِّعت وحُرِّقت. قال هذا ، وضرب بجَواده إلى الحسين (عليه السّلام).
وصادف قُرَّة بن قيس ، فقال له : يا قرة هل سَقيت فرسك؟
قال قُرَّة : قلت له : لا ، وظننتُ أنَّه يُريد أنْ يتنحَّى القتال كراهة أنْ يَشهده ، فوالله لو أطلعني على الذي يُريد ؛ لخرجت معه إلى الحسين.
أخذ يَدنو الحُرّ مِن الحسين رويداً رويداً ، وكان ذلك منه خَجلاً لا وَجلاً ، حتَّى وقف قريباً منه ، فقال : جُعلتُ فِداك يابن رسول الله ، أنا صاحبك الذي حَبستك عن الرجوع ، وجَعْجَعْت بك في هذا المكان ، وما ظَننتُ أنَّ القوم يَردُّون عليك ما عرضته عليهم ، ووالله لو علمت أنَّهم ينتهون بك إلى ما أرى ، ما رَكبت مِثل الذي رَكبت ، وإنِّي تائب إلى الله مِمَّا صَنعت ، فهل ترى لي مِن توبة؟
فأجابه الحسين (عليه السّلام) : «نعمْ ، يتوب الله عليك ، فانزل».