إلى أخيه الحسين (عليه السّلام) ؛ يستميحه رُخصة الدفاع مُعتذراً بأنَّ صدره قد ضاق مِن الحياة ، ويكره البقاء.
نعم لا شيء أشهى مِن الحياة وأطيب ، لكنَّما الحيَّ إنَّما يُحبُّها ما دامت مُنطوية على مَسرَّات ولذَّات ، أمَّا إذا خَلت مِن تِلكُما الحُسنيَين ، وأمْسَتْ ظرف آلام لا تُطاق ؛ استحالت الحياة الحُلوة ، كأساً مُصبَّرة غير أنَّ أقوياء النفوس ، لو أفضى الزمان بهم ، إلى مِثل هذه الحالة العَصيبة ، وعجزوا عن سلوان أنفسهم بمَهلِّ التاريخ ؛ فإنَّهم يَختارون الموت ، في سبيل دفع الموت ، ويفضلونه على الموت ، في سبيل انتظار الموت.
أجلْ ، إنَّ الموت في سبيل دفاعه أفضل وأحوط مِن الموت في سبيل انتظاره ، وقد كان الحسين (عليه السّلام) مُستميتاً ، ومستميتاً كلُّ مَن كان معه ، وكانت أنفسهم الشريفة مُتشرِّبة مِن كأس التضحية ، وريَّانة مِن مَعين التفادي ؛ وفي مُقدِّمة هؤلاء أبو الفضل العبّاس (رضوان الله عليه) ، أكبر إخوة الحسين (عليه السّلام) المُمتاز في الكمال والجَمال ، وقَمر بني هاشم ، وحامل راية الحسين (عليه السّلام) ، وعقيد آماله في المُحافظة على رَحله وعياله.
لذلك شَقَّ على الحسين (عليه السّلام) ، أنْ يأذن له بالبِراز إلى الأعداء ، غير أنَّه يأمَل في مُبارزته القوم إبلاغ الحُجَّة ، وإحياء الذُّرَّيـَّة ، وأنْ يُعين على حياة العائلة بالسقاية والرواية ، كما سبق منه ذلك ، سِيَّما وإنَّ أخبث رؤساء جيش العدوِّ شِمر الكِلابي ، وهو على شَقائه آمن العبَّاس (رضوان الله عليه) وأشقائه ؛ لنسبة بينه وبين أُمِّ العبَّاس (أُمِّ البنين) ؛ ولأنَّ عبَّاس الفتوَّة إذا عهدت إليه السقاية ، يعود مُهتمَّاً بعودته إلى الحسين (عليه السّلام) ، فكأنَّ مِن هذا وذاك وذياك كان جوابه