لأخيه العبَّاس : «إذنْ ، فاطلب مِن القوم لهؤلاء الأطفال جُرعةً مِن الماء».
فتوجَّه العبَّاس بن علي (عليه السّلام) ، نحو الجيوش المُرابطة حول الشرائع ، فأخذوا يمانعونه عن الماء ، ويَستنهض بعضهم بعضاً ، على مُعارضته ومُقاتلته ، خَشية أنْ يَصل الماء إلى عِترة النبي (صلَّى الله عليه وآله) ، ولم يَزل العبّاس (رضوان الله عليه) يُقارعهم ويُقاتلهم ، ويُقلِّب فِئةً على فِئةٍ ، ويَفلُّ العِصابَة تِلو العِصابَة ، حتَّى كمنوا له وراء نَخله مِن نُخيلات الغاضريَّة ، فقطعوا يُمناه ، فتلقَّى السيف بيُسراه ، مُثابِراً على الدفاع غير مُكترث بما أصابه ، وهو يتلو الأراجيز تِلو الأراجيز ، ويُذكِّر القوم بمآثر أهل البيت ، وحَسَبهم ، ونَسبهم مِن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ، يُدافع عن نفسه ، وهو مقطوع اليدين ، وكأنَّ القوم قطعوا بيديه ، يدي الحسين (عليه السلام).
فعند ذلك تَقدَّم إليه دارميٌّ غير هيَّاب له ، وضربه بعمود مِن حديد ، فَخرَّ صريعاً وصارخاً : يا أخاه ، أدرِك أخاك.
ولم يُدرك الحسين (عليه السّلام) ظَهيره ونَصيره ، إلاَّ بعد اختراق الجموع والجنود ، وفي آخر لحَظة منه ، نادِباً له ، وقائلاً : «الآنْ انكسر ظهري ، وقَلَّت حيلتي ، وشَمُت بي عدوِّي».