الدم ، وقد بدت قرينة مُناوأته ، في قُدوم عمرو بن سعيد ، عامل يزيد قَبل التروية بيوم ، وتَقدُّمه إلى الصلاة بالمسلمين ، وبَثِّه العيون حول الحسين (عليه السّلام) ، وحول ابن الزبير ، فصلَّى الإمام ، فطاف وسعى ، وحَلَّ الإحرام ، ثمَّ خرج. وبعدما عَرِف عمرو بن سعيد ، صرخ بالناس قائلاً :
«أركبوا كلَّ بَعير بين السماء والأرض ، واطلبوا حسيناً ، ولم يَحتشم حُرمة البلد الأمين ، ولا النبيِّ الأمين».
بادر الحسين (عليه السّلام) بمسيره ، قبل أنْ يُبادر العدوُّ إلى صَدِّه وإحصاره ، أو اغتياله ، وألجأته الضرورة إلى حركة غير مُنتظَرة ، وخارج الحُسبان ، وأوجد بمسيره هذا ثورة فِكريَّة ؛ أوجبت انتشار خبره بسرعة البرق. وحقَّاً أقول : إنَّ الحسين (عليه السّلام) مُجتَهد في نيَّته ، ومُستفرِغ كلَّما في وسعه ، في نشر دعوته ، في عصرٍ ومِصرٍ شحَّت وسائل النشر فيهم ؛ فكان لخروجه في غير أوانه دويٌّ يَرنُّ صداه في الداخل والخارج ، والناس يتسائلون عن نبأه العظيم ، وعن أنَّ الحسين (عليه السّلام) هل حَجَّ أو خرج؟ ولماذا؟ ومتى؟ وكيف؟ وإلى أين؟
هذا والحسين (عليه السّلام) يسير بموكبه الفخيم ، وحوله أهله كهالَةٍ حول القمر ، كأنَّ موكبه داعية مِن دُعاته ؛ فإنّ الخارج يومئذ مِن أرض الحَجِّ والناس متوجهون إلى الحَجِّ ، لابُدَّ وأنْ يستلفِت إلى نفسه الأنظار ، وإنْ كان راكباً واحداً ، فكيف برَكبٍ أو موكبٍ؟ إنَّه لأمر مُريب وغَريب ، يستوقف الناظر ، ويستجوب كلَّ عابرٍ.
وهذه أيضاً عمليَّة ، مِن شأنها شُهرةَ أمر الإمام ، وانتشار خبره الهامِّ ، ومِمَّن كان قادِماً إلى الحَجِّ ، واستجلب نظره الركب والموكب