ورداءه ، وتقلَّد بسيف جَدِّه النبي ، وركب ناقته أو فرسه المَعروفة ، وخرج إلى العدوِّ بهيئة جَدِّه النبي (صلَّى الله عليه وآله) وزيِّه ، وقد كان هو في مَلامحه شَبيه جَدِّه ، وكانت هذه الهيئة وحدها ، كافية لإظهار أولويَّته بخِلافة جَدِّه مِن طاغية الشام ، لو كانوا يعقلون.
وعَرف شياطين القوم ، أنّ هذه المُظاهرة تعود على الحسين (عليه السّلام) بفائدة ، سيَّما لو وجد مجالاً للكلام ، وذكَّر السامعين بآيات مِن وحي جَدِّه ، فولولوا بلَغطٍ وضَجيج ؛ ليُضيِّعوا على السامعين كلام الله ، مِن فَم وليِّ الله ، بهيئة نبيِّ الله ، وهو ابن بنت رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) ، غير إنَّ حسين المَجد ، لم يُضيِّع فُرصته ، فاستنصتهم فأبوا أنْ يُنصتوا له ؛ لجُاجاً وعِناداً ، فنادى فيهم : أيُّها الناس ، اسمعوا قولي ، ولا تَعجلوا ، حتَّى أعِظكم بواحدة ، وحتَّى أُعذر إليكم ، فإنْ أعطيتموني النَّصف كُنتم بذلك سعداء ، وإلاّ فاجمعوا رأيكم ، ثمَّ لا يَكُن أمركم عليكم غُمَّة ، ثمَّ اقضوا إليَّ ولا تُنظرون ، (إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ).
فلمَّا ساد الصَّمت ، وهدأ الضجيج خَطبهم ، فحمد الله وأثنى عليه ، ونعت النبي ، فصلَّى عليه ، فلم يَسمع أبلغ مَنطقاً منه.
ثمَّ قال : «أمَّا بعد ، فانسبوني مَن أنا ، ثمَّ راجعوا أنفسكم وعاتبوها ، فانظروا هلْ يَحلُّ لكم قتلي وانتهاك حُرمتي؟ ألستْ ابن بنت نبيِّكم ، وابن وصيِّه ، وابن عمِّه ، وأوَّل المؤمنين المُصدِّق لرسول الله (صلَّى الله عليه وآله) ، وبما جاء مِن عند ربِّه؟ أوليس حمزة سيِّد الشهداء عَمِّى؟ أوليس جعفر الطيار في الجَنَّة بجَناحين عَمِّي؟