نُصرة الضعيف ، أو تسوية الخِلاف ، وما جيوشه سِوى مَردة العرب مِن أهل النِّفاق ، فإذا نزل هؤلاء في عاصمة التوحيد ؛ سادت مُنافَقة العرب ، وعادت مَبادئ الجاهليَّة والناس حديثو عهد بالإسلام ؛ فيكون الرجعيُّون أولى بالقوَّة والنُّصرة ، والموحِّدون أولى بالضُّعف والذِّلـَّة ، ويُخرجُنَّ الأعزُّ منها الأذلَّ.
قرأ هذه الشروح ، وأكثر منها عليٌّ (عليه السّلام) مِن كلمة أبي سُفيان ، فرَدَّه رَدّاً قارصاً ؛ لأنَّ عليَّاً (عليه السّلام) رجُلُ الحَقِّ ، وبَطَلُ الإيمان ، لا يُضحِّي بالدين ، أو المصلحة العامَّة في سبيل نَفْعٍ ذاتيٍّ ، أو شَهوة وانتقام.
ولمَّا عَرِف أبو سُفيان أنَّ عليَّاً (عليه السّلام) لا ينخدع ، وأنَّه عند تداخل الأغيار ، لَيُصافِح إخوانه المسلمين ، ويتحدَّث معهم ؛ لحفظ بَيضة الدين ، مَهْما كان ضِدَّهم وكانوا أضداده ، نَدم أبو سُفيان على لفظته ، وهرع إلى الحزب الغالِب ، وانضمَّ إليهم ؛ ليَحفظ مركزه الاجتماعي ، قبل أنْ يَخسر الطرفين ، وتأخّرت مَنْويَّاته إلى حين ، حينما يَخضرُّ عود أُميَّة بإمارة مُعاوية على الشام ، وعود سلطانهم.
وبعدما نبغ فيهم مُعاوية ، أخذ على عاتقه القيام بنوايا أسلافه ، ومعه يومئذ أبوه ، يَنصب عليَّاً دون المسلمين هدفاً لسهامه الفتَّاكة ؛ إذ عرفه الينبوع الوحيد لِسيَّال وحي المُصطفى (صلَّى الله عليه وآله) ، وأنَّه البطل المُناوئ لهم بكلِّ قِواه ، والعَميد القائم ببيت بني هاشم ، والمركز القويُّ لإبطال الحركة السُفيانيَّة ، وإنَّ عليَّاً هو وأبوه نَصيرا محمّد (صلَّى الله عليه وآله) ، حين لا ناصر له ، حتَّى أنَّه فداه بنفسه ليلة مَبيته على فراشه ، وضَيَّع على قريش هِجرته ، ونقض ما