سُلطة الجَور والفجور ؛ فجئتكم مُلبِّياً دعوتكم ، فإنْ كُنتم قد تغيّرتم عَمَّا كنتم عليه ، فاتركوني أرجع مِن حيث أتيت».
قال هذا ، وأخرج لهم الكُتب اعتماداً على شَهامة الحُرِّ ، وصُدور الأحرار قبور الأسرار ؛ ولإتمام الحُجَّة على الناظرين مِن أصحابه ، فاعتذر الحُرُّ بأنَّه ليس مِمَّن كتب إليه.
ولا نَنسى أنَّ الحُرَّ قد هاجت عليه في ذلك الموقف الرهيب أفكار مُتضاربة ، لم تُطاوعه الحالة الحاضرة أنْ يختار منها ، سِوى طريقة مُتوسِّطة عرَضها على الإمام ، وهي : أنْ يَسلُك مِن فِجاج البَرّ سَبيلاً وسطاً ، لا يؤدِّي به إلى الشام ، ولا يُدخله الكوفة ؛ حتَّى يكون بذلك نَجات الطرفين ، واستحسنه الحسين (عليه السّلام) ؛ لأنَّه يُريد الاتِّقاء مِن شَرِّ الأشرار ، دون أنْ يَبلغ أحداً بسوء ؛ وظَنّ الحُرّ لنفسه في ذلك مَناصاً ، مِن مظلمة إيذاء العِترة النبويَّة ، ومُقنِعاً لأُمراء أُميَّة ؛ إذ دفع عن عِراقهم نَهضة الحسين (عليه السّلام) ، وأراحهم عنه ، بدون سَفك مُهج ، ولا خوض لُجَج ؛ فكتب بعد نزوله (أقساس مالك) كتاباً إلى ابن زياد يتضمَّن الرأي والرواية.