بالهضاب ؛ فيُدافع الرمات مِن فوقها ؛ تأميناً لخُطَّة الدفاع عن النواميس بكلِّ معانيها.
وما لبِثوا حتَّى أسفرت الآثار عن الحُرِّ بن يزيد الرياحي ، ومعه ألف فارس ، أرسلته القيادة العامَّة الأُمويَّة لحراسة البَرّ ؛ ولكي يَقطع على الحسين (عليه السلام) طريقه أينما صادفوه ، ثمَّ لا يُفارقونه إلى أنْ يأتوا به إلى أقرب مركز للحكومة ، حتَّى إذا اطمأنّوا مِن مُسالمته ومُبايعته ، أدخلوه على ابن زياد.
أمّا الحُرّ وأصحابه ، فقبل أنْ يُظهِروا مُهمَّتهم ، أظهروا بلسان الحال والمَقال عطشهم المُفرِط ، وأنَّهم مِن طول جولاتهم في البَرِّ وفي الحَرِّ ؛ حيث لا ماء ولا مأوى ، قد أشرفوا على العطب ، فأمر حسينُ الفضيلة (عليه السّلام) فِتيانه وغُلمانه ، بسقاية الأعداء ، وإرواء خيلهم.
فعرف عندئذٍ صَحب الحسين (عليه السّلام) سِرّ استعداده بالماء ليوم سَماح أو كفاح ، ولمَّا استعبد الحسينُ الحُرَّ بالبِرّ (وبالبِرِّ يُستعبَد الحُرُّ) ، سأله عن غايته ، فأجاب على استحياء ، بأنَّه مرسول إليه ؛ ليوفده على ابن زياد ، ولمَّا قال له الحسين (عليه السّلام) : «قُمْ إلى أصحابك فصَلِّ بهم ، ونحن نُصلِّي مع أصحابنا». أجابه الحُرُّ : بلْ تَقدَّم إلى الصلاة ، يابن رسول الله ، ونحن نُصلِّي بصلاتك ، كأنّه يُذكِّر الحاضرين أنَّ الحسين (عليه السّلام) إمام حَقٍّ ، وابن إمام ، وأنَّ صلاة غيره بصلاته تَصحُّ ، وبصلاته تُقام.
ثمّ إنَّ الحسين (عليه السّلام) لم يَسعه ـ بعد أنْ رأى مَنْ كتبوا إليه كتائب عليه ـ إلاَّ الذِّكرى والاحتجاج ، فقال :
«يا أهل الكوفة ، إنَّكم كتبتم إليَّ ، ودعوتموني إلى العراق ؛ لإنقاذكم مِن