الغيب ، لعابَ عليه كلّ مَنْ يسمع بالأخبار ويقرأ التاريخ أنّه ترك دعوة الأمّة ـ المتظاهرة بالولاء له ، من خلال آلاف الكتب والعهود الواصلة إليه بواسطة أُمناء القوم ورؤسائهم ـ استناداً إلى احتمالات الخيانة والتخاذل التي لم تظهر بوادرها إلاّ بالتخمين حسب ماضي هذه الجماعة وأخلاقهم. واعتماداً على الغيب الذي لم يؤمن به كثير من الناس في عصره ومن بعده ، ولم يسلّمه له غير مجموعة من شيعته.
فلو أطاع الإمام الحسين (عليه السّلام) اُولئك الناصحين له بعدم الخروج ، لكان مطيعاً لمن لم تجب عليه طاعتهم ، وتاركاً لنجدة من تجب عليه نجدتهم.
كما إنّ طاعة اُولئك القلّة من الناصحين لم تكن بأجدر من طاعة الآلاف من عامّة الشعب الّذين قدّموا له الدعوة ، وبإلحاح ، وقدّموا له الطاعة والولاء.
وقبل هذا وبعده فإنّ الواجب الإلهيّ يحدوه ، ويرسم له الخطط للقيام بأمر الأُمّة ، فإذا تمّت الحجّة بوجود الناصر ، فهذا هو الدافع الأوّل والأساس للإمام (عليه السّلام) على الإقدام ، دون الإحجام على أساس الاحتمالات السياسية والتوقّعات الظاهرية ، وإنّما استند إليها في كلماته وتصريحاته لإبلاغ الحجّة ، وإفحام الخصوم ، وتوضيح المحّجة لكلّ جاهل ومظلوم (١).
وأمّا ظاهرياً :
فقد كان في «قلّة من الناس» وهذا يوجب القلق في الوجه الذي سار فيه الإمام :
____________________
(١) وقد فصّلنا الحديث عن علم الأئمة (عليهم السّلام) بالغيب والاعتراض على إقدامهم بأنّه إلقاء إلى التهلكة ، في مقال مفصّل طبع في «تراثنا» عدد ٣٧.