وهل يُتصوّر ضياعٌ أبعد من هذا؟!
وكان من نتائج ذلك الضياع المفضوح أنّ التاريخَ المشوّه وأهله العملاء (١) تغافلوا عن وجود أهل البيت (عليهم السّلام) طيلة الأعوام التي تلتْ وفاة النبيّ (صلّى الله عليه وآله) حتّى خلافة الإمام عليّ (عليه السّلام) ، فهذا الحسينُ لم نجدْ له ذكراً مسجّلاً على صفحات التاريخ طيلة العهد البكري ولا العُمَريّ ولا العُثماني سوى فلتات تحتوي على كثير من أسباب ذلك التغافل!
١٧ ـ موقف من عُمر
ومن تلك الفلتات حديثٌ تضمّن موقفاً للحسين (عليه السّلام) من عمر لمّا جَلَسَ على منبر الخلافة والحسينُ دون العاشرة من عمره. وبفرض وجوده في بيت أبيه الإمام عليّ (عليه السّلام) وقد امتلأ بكلّ ما يراهُ وليدُ البيت أو يسمعهُ من حديث وأحداث مهما كان خفيّاً أو كانت صغيرة ، ولا يُفارق ذهنه ، بل قد يقرأ الصبيُّ ممّا حوله أكثر ممّا يقرأه الكبير من الكلمات المرتسمة على الوجوه ، ويسمعُ من النبرات أوضح المداليل التي لا تعبّر عنها أفصح الكلمات.
كيف ، والحسينُ هو الذي أهّله جدّهُ الرسول (صلّى الله عليه وآله) لقبول «البيعة» منه ، وأهّلته أُمّه الزهراء (عليها السّلام) للشهادة على أنّ «فدكاً» نحلتها من أبيها عندما طلب أبو بكر منها الشهود!
ويكفي الحسينَ أنْ يعرفَ من خُطبة أُمّه الزهراء في مسجد رسول الله ، ومن
____________________
(١) وهناك فلتات من المؤرّخين الّذين تصدّوا لتسجيل بعض الحقائق ، مثل ابن إسحاق صاحب السيرة ، وعمر بن شبّة صاحب الكتب الكثيرة ، لكن تراثهم هُجر واندثر ، ولم تبقَ منه إلاّ نتف فيها الدلالات الواضحة على ما نقول.