ومن تركهما معاً فهو من أذلّ الناس وأحقرهم ، وهل شرّ أشرّ من الذُلّ؟!
ومن التزمَ واحداً فقد أخطأ طريق العمل الصالح ، وهو في ذلّ ما ترك الآخر ، وهل يُرجى الخير من ذليل وإنْ كان محسناً أو صالحاً؟!
وموقف آخر :
قال بشر بن غالب الأسدي : قدم على الحسين بن علي اُناس من أنطاكية فسألهم عن حال بلادهم؟ وعن سيرة أميرهم فيهم؟ فذكروا خيراً ، إلاّ أنّهم شكوا البَرد (١).
فالإمام (عليه السّلام) يستكشف الأوضاع السائدة في بلاد المسلمين حتى أبعد نقطة شمالية ، وهي أنطاكية! وهي رقابة تنبع من قيادة الإمام للاُمّة ، فمع فراغ يده من السلطة القائمة فهو لا يتخلّى عن موقعه ، ويخطّط له.
٢٥ ـ مواقف قبل كربلاء
التزم الحسينُ (عليه السّلام) بمواقف أخيه مدّة إمامة الحسن (عليه السّلام) ، لأنّ الحسين (عليه السّلام) من رعاياه ، وتجب عليه طاعته والانقيادُ له ، لما هو من الثابت أنّ الإمام إنّما يتصرّف حسب المصالح اللازمة ، وطبقاً للموازين الشرعيّة التي تمليها عليه الظروف وبالأدوات والإمكانات المتيسّرة له.
وقد استغلّ معاويةُ حلم الإمام الحسن (عليه السّلام) ليتمادى في غيّه ، ويزيدَ في تجاوزاته وتعدّياته ، فخطّطَ لذلك خططاً جهنّميّة تؤدّي نتائجها إلى هدم كيان الإسلام ، وضرب قواعده ، بدءاً بتحريف الحقائق ونشر البدع ، ومنع
____________________
(١) تاريخ بغداد ٣ / ٣٦.