وما اشبهها من الشناعات التي وقعت لهم ، عند تحريفهم لفظ الخروج عن مقصود القول ، وجريهم الى الخروج الذي يقال في الاجسام.
ثم ان اصحاب افلاطون ، لمّا سمعوا اقوال اصحاب ارسطوطاليس في الابصار ، وانه انما يكون بالانفعال ، حرّفوا هذه اللفظة بان قالوا : ان الانفعال لا يخلو من تأثر واستحالة ، وتغير في الكيفية .. وهذا الانفعال ، اما ان يكون في العضو الباصر ، او في الجسم المشفّ الذي بين البصر والمبصر. فان كان في العضو لزم ان تستحيل الحدقة ، في آن واحد بعينه ، من الوان بلا نهاية؛ وذلك محال؛ اذ الاستحالة انما تكون ، لا محالة ، في زمان ومن شيء واحد بعينه ، الى شيء واحد بعينه محدود. وان كان يحصل في بعضه دون بعض ، لزم ان تكون تلك الاجزاء مفصّلة متميّزة؛ وليست كذلك. وان كان ذلك الانفعال يلحق الجسم المشفّ ، اعني الهواء الذي بين البصر والمبصر ، لزم ان يكون الموضوع الواحد بالعدد قابلا للضدّين في وقت واحد معا ، وذلك محال. هذه وما اشبهها من الشناعات التي اوردوها.
ثم ان اصحاب ارسطو احتجوا على صحة ما ادعوه ، فقالوا : لو لم تكن الالوان وما يقوم مقامها ، محمولة في الجسم المشفّ بالفعل ، لما ادرك البصر الكواكب والأشياء البعيدة جدا ، في لحظة بلا زمان. فان الذي ينتقل لا بدّ من ان يبلغ المسافة القريبة قبل بلوغه المسافة البعيدة. ونحن نلحظ الكواكب ، مع بعد المسافة ، في الزمان الذي نلحظ فيه ما هو اقرب منها ، ولا يغادر ذلك شيئا. فظهر ، من هذه الجهة ، ان الهواء المشفّ يحمل الوان المبصرات ، فتؤدّي الى البصر.