الانسان ، تذكّر المساواة التي كانت في النفس؛ فعلم ان هذا المساوي انما كان مساويا بمساواة شبيهة بالتي في النفس. وكذلك سائر ما يتعلّم ، انما يتذكر ما في النفس. واللّه اعلم (١).
وقد ظنّ اكثر الناس ، من هذه الاقاويل ، ظنونا مجاوزة عن الحد. اما القائلون ببقاء النفس بعد مفارقتها البدن (٢) ، فقد افرطوا في تأويل هذه الاقاويل ، وحرّفوها عن سننها ، واحسنوا الظنّ بها ان اجروها مجرى البراهين؛ ولم يعلموا ان افلاطون انما يحكي هذا عن سقراط على سبيل من يروم تصحيح امر خفيّ بعلامات ودلائل. والقياس بعلامات لا يكون برهانا ، كما علّمناه الحكيم ارسطو في «انولوطيقا الأولى والثانية». ـ واما المدافعون لها ، فقد افرطوا ايضا في التشنيع ، وزعموا ان ارسطو مخالف له في هذا الرأي ، واغفلوا قوله في اوّل كتاب «البرهان» حيث ابتدأ فقال : كل تعليم وكل تعلّم فانما يكون عن معرفة متقدمة الوجود. ثم قال بعد قليل : وقد يتعلم الانسان بعض الأشياء وقد كان علمه من قبل قديما ، وبعض الأشياء
__________________
(١) هذه العبارة «والله اعلم» مزادة علي النص وليست للفارابي علي الأرجح. وكون المعرفة عملية تذكر ، هذا ما يذهب إليه أرسطو ، لأن النفس بنظره عرفت حقائق الأشياء في عالم المثل قبل حلول الجسد علي الأرض. وإذا رأت علي الأشياء أشياء تشبه المثل تذكرتها.
(٢) القول بخلود النفس ضروري لتفسير المعرفة بالتذكر في مذهب افلاطون ، وليس ضرورياً في فلسفة ارسطو. ويبدو أن الفارابي يميل إلي مذهب أرسطو بصدد خلود النفس ، وهو مذهب يشوبه التردد.