تعلّمها يحصل من حيث تعلّمها معا. مثال ذلك : جميع الأشياء الموجودة تحت الأشياء الكلية.
فليت شعري ، هل يغادر معنى هذا القول ما قاله افلاطون شيئا ، سوى ان العقل المستقيم والرأي السديد والميل الى الحق والانصاف معدوم في الاكثرين من الناس! فمن تأمّل حصول المقدّمات الأولى وحال التعلّم تأمّلا شافيا ، علم انه لا يوجد بين رأيي الحكيمين ، في هذا المعنى ، خلاف ولا تباين ولا مخالفة. ونحن نومئ الى طرف منه يسير بمقدار ما يتبين به هذا المعنى ليزول الشك الواقع فيه.
فنقول : من البيّن الظاهر ان للطفل نفسا عالمة بالقوة ، ولها الحواس آلات الادراك. وادراك الحواس انما يكون للجزئيات؛ وعن الجزئيات تحصل الكليات ، والكليات هي التجارب على الحقيقة. غير ان من التجارب ما يحصل عن قصد. وقد جرت العادة ، بين الجمهور ، بان يسمّى التي تحصل من الكليات عن قصد متقدّمة التجارب. فاما التي تحصل من الكليات للانسان لا عن قصد ، فاما ان لا يوجد لها اسم عند الجمهور ، لانهم لا يعنونه ؛ واما ان يوجد لها اسم عند العلماء ، فيسمّونها اوائل المعارف ومبادئ البرهان وما اشبهها من الاسماء.
وقد بيّن ارسطو في كتاب «البرهان» ان من فقد حسّا ما فقد فقد علما ما. فالمعارف انما تحصل في النفس بطريق الحس (١). ولما كانت المعارف انما حصلت في النفس عن غير قصد اولا فاولا ، فلم يتذكر
__________________
(١) هذا هو رأي أرسطو علي الحقيقة ، وإليه يميل الفارابي.