الانسان ، وقد حصل جزء جزء منها. فلذلك قد يتوهم اكثر الناس انها لم تزل في النفس ، وانها تعلم طريقا غير الحس. فاذا حصلت من هذه التجارب في النفس ، صارت النفس عاقلة ، اذ العقل ليس هو شيئا غير التجارب. ومهما كانت هذه التجارب اكثر ، كانت النفس اتمّ عقلا. ثم ان الانسان ، مهما قصد معرفة شيء من الأشياء ، اشتاق الى الوقوف على حال من احوال ذلك الشيء ، وتكلّف الحاق ذلك الشيء في حالته تلك بما تقدم معرفته وليس ذلك الا طلب ما هو موجود في نفسه من ذلك الشيء ، مثل انه متى اشتاق الى معرفة شيء من الأشياء ، هل هو حيّ ام ليس بحي. وقد تقدم فحصل في نفسه معنى الحي ومعنى غير الحي (١). فانه يطلب بذهنه او بحسه او بهما جميعا احد المعنيين ، فاذا صادفه ، سكن عنده واطمأن به والتذّ بما زال عنه من اذى الحيرة والجهل. وهذا ما قاله افلاطون : ان التعلم تذكر (٢) ، وان التفكر هو تكلّف العلم ، والتذكر تكلف الذكر. والطالب مشتاق متكلّف؛ فمهما وجد مهمّا قصد معرفته دلائل وعلامات ومعاني ما كان في نفسه قديما ، فكأنه يتذكر عند ذلك ، كالناظر الى جسم يشبه بعض اعراضه بعض اعراض جسم آخر كان قد عرفه وغفل عنه ، فيتذكره بما ادركه من شبيهه. وليس للعقل فعل مخصّ به دون الحس سوى ادراك جميع الأشياء والاضداد ، وتوهّم
__________________
(١) سبق الجاحظ إلي هذا الرأي ، راجع رسالة المعرفة المنشورة ضمن رسائل الجاحظ الكلامية (دار ومكتبة الهلال ، بيروت).
(٢) هذا تفسير غير صحيح لمسألة التذكر في المعرفة عند افلاطون.