وليس الامر كذلك. اذ قد تقدم فبيّن في ذلك الكتاب وغيره من الكتب الطبيعية والالهية ، ان الزمان انما هو عدد حركة الفلك ، وعنه يحدث. وما يحدث عن الشيء لا يشتمل ذلك الشيء. ومعنى قوله «ان العالم ليس له بدء زماني» ، انه لم يتكوّن اولا فاولا باجزائه ، كما يتكوّن البيت مثلا ، او الحيوان الذي يتكون اولا فاولا باجزائه ، فان اجزاءه يتقدم بعضها بعضا في الزمان (١). والزمان حادث عن حركة الفلك. فمحال ان يكون لحدوثه بدء زماني. ويصخ بذلك انه انما يكون عن ابداع الباري ، جل جلاله ، اياه دفعة بلا زمان؛ وعن حركته حدث الزمان.
ومن نظر في اقاويله في الربوبية في الكتاب المعروف «باثولوجيا» (٢) لم يشبه عليه امره في اثباته الصانع المبدع لهذا العالم. فان الامر في تلك الاقاويل اظهر من ان يخفي. وهناك تبين ان الهيولى ابدعها الباري ، جل ثناؤه ، لا عن شيء؛ وانها تجسمت عن الباري ، سبحانه ، وعن ارادته؛ ثم ترتبت. وقد بيّن في «السماع الطبيعي» ان الكل لا يمكن حدوثه بالبخت والاتفاق؛ وكذلك في العالم جملته. يقول في كتاب «السماء والعالم» : ويستدل على ذلك بالنظام البديع الذي يوجد لاجزاء العالم بعضها مع بعض».
__________________
(١) هذا تفسير غير موفق لعبارة «ان العالم ليس له بدء زماني» والمعني الصحيح هو أنه قديم.
(٢) كتاب الربوبية المعروف بأثولوجيا ، هو كتاب ألفه افلوطين وهو احد تساعياته وقد نسبه الفارابي خطأ الي ارسطو ، فأوقعه في هذه المغالطة الكبيرة : الجمع بين رأيي الحكيمين.