وقد بين هناك ايضا امر العلل ، كم هي ، واثبت الاسباب الفاعلة. وقد بين هناك ايضا امر المكوّن والمحرّك ، وانه غير المتكوّن وغير المتحرّك. وكما ان افلاطون بين في كتابه المعروف «بطيماوس» ان كل متكوّن فانما يكون عن علة مكوّنة له اضطرارا ، وان المتكوّن لا يكون علة لكون ذاته. كذلك ارسطوطاليس بين في كتاب «اثولوجيا» ان الواحد موجود في كل كثرة ، لان كل كثرة لا يوجد فيها الواحد لا يتناهى ابدا البتة (١). وبرهن على ذلك براهين واضحة ، مثل قوله ان كل واحد من اجزاء الكثير ، اما ان يكون واحدا واما ان لا يكون واحدا ، فان لم يكن واحدا لم يخل من ان يكون اما كثيرا واما لا شيء ؛ وان كان لا شيء لزم ان لا يجتمع منها كثرة ، وان كان كثيرا فما الفرق بينه وبين الكثرة؟ ويلزم ايضا من ذلك ان ما (لا) يتناهى اكثر مما لا يتناهى. ثم بيّن ان ما يوجد فيه الواحد من هذا العالم فهو لا واحد الا بجهة وجهة؛ فاذا لم يكن في الحقيقة واحدا ، بل كان كل واحد فيه موجودا ، كان الواحد غيره وهو غير الواحد. ثم بيّن ان الواحد الحق هو الذي افاد سائر الموجودات الواحدية. ثم بيّن ان الكثير بعد الواحد ، لا محالة. وان الواحد تقدّم الكثرة. ثم بيّن ان كل كثرة تقرب من الواحد الحق كان اول كل كثرة مما يبعد عنه؛ وكذلك بالعكس. ثم يترقى ، بعد تقديمه هذه المقدمات ، الى القول في اجزاء العالم ، الجسمانية منها والروحانية؛ ويبين بيانا شافيا انها كلها حدثت
__________________
(١) القول ان الواحد موجود في كل كثرة ، وهو اساس العالم المتكثر ، هو اساس فلسفة افلوطين. وقد استقاها الفارابي من كتاب اثالوجيا.