عن ابداع الباري لها؛ وانه ، عز وجل ، هو العلة الفاعلة ، الواحد الحق ، ومبدع كل شيء ، على حسب ما بيّنه افلاطون في كتبه في الربوبية ، مثل «طيماوس» و «بوليطيا» وغير ذلك من سائر اقاويله. وايضا فان «حروف ارسطوطاليس فيما بعد الطبيعة» انما يترقى فيها من الباري ، جل جلاله ، في حرف «اللام» ، ثم ينحرف راجعا في بيان صحة ما تقدم من تلك المقدمات ، الى ان يسبق فيها ، وذلك مما لا يعلم انه يسبقه اليه من قبله ولم يلحقه من بعده الى يومنا هذا. فهل تظن بمن هذا سبيله انه يعتقد نفي الصانع وقدم العالم؟ (١).
ولا مونيوس رسالة مفردة في ذكر اقاويل هذين الحكيمين في اثبات الصانع ، استغنينا ، لشهرتها ، عن احضارنا اياها في هذا الموضوع. ولو لا ان هذا الطريق الذي يسلكه في هذه المقالة هو الطريق الاوسط ، فمتى ما تنكّبناه كنا كمن ينهى عن خلق ويأتي بمثله؛ لا فرطنا في القول وبيّنا انه ليس لاحد من اهل المذاهب والنحل والشرائع وسائر الطرائق ، من العلم بحدوث العالم واثبات الصانع له وتلخيص امر الابداع ، ما لارسطوطاليس ، وقبله لافلاطون ، ولمن يسلك سبيلهما. وذلك ان كل ما يوجد من اقاويل العلماء ، من سائر المذاهب والنحل ، ليس يدل على التفضيل الا على قدم الطبيعة وبقائها ومن احبّ الوقوف على ذلك ، فلينظر في الكتب المصنفة في المبدءات والاخبار المرويّة
__________________
(١) يقول ارسطو ان الله هو السبب الأول والمبدأ الأول للعالم. وهذايدل علي اثبات وجود الله ، لا علي حدوثه.