حالات: اما ان يكون بعضها متناقضة بعضها؛ واما ان يكون بعضها لارسطو وبعضها ليس له؛ واما ان يكون لها معان وتأويلات تتّفق بواطنها وان اختلف ظواهرها ، فتتطابق عند ذلك وتتفق. فاما ان يظن بارسطو ، مع براعته وشدّة يقظته وجلاله هذه المعاني عنده ، اعني الصور الروحانية ، انه يناقض نفسه في علم واحد ـ وهو العلم الربوبي ـ فبعيد ومستنكر. واما ان بعضها لارسطو وبعضها ليس له ، فهو ابعد جدا ، اذ الكتب الناطقة بتلك الاقاويل اشهر من ان يظنّ ببعضها انه منحول. فبقي ان يكون لها تأويلات ومعان ، اذا كشف عنها ، ارتفع الشك والحيرة.
فنقول انه ، لما كان الباري ، جلّ جلاله ، بانيّته وذاته ، مباينا لجميع ما سواه ، وذلك لانه بمعنى اشرف وافضل واعلى ، بحيث لا يناسبه في انيّته ولا يشاكله ولا يشابهه حقيقة ولا مجازا ، ثم مع ذلك لم يكن بدّ من وصفه واطلاق لفظ فيه من هذه الالفاظ المتواطئة عليه ، فان من الواجب الضروري ان يعلم ان مع كل لفظة نقولها في شيء من اوصافه ، معنى بذاته بعيد من المعنى الذي نتصوره من تلك اللفظة. وذلك كما قلنا بمعنى اشرف واعلى ، حتى اذا قلنا انه موجود؛ علمنا مع ذلك ان وجوده لا كوجود سائر ما هو دونه. واذا قلنا انه حي ؛ علمنا انه حي بمعنى اشرف مما نعلمه من الحي الذي هو دونه. وكذلك الامر في سائرها. ومهما استحكم هذا المعنى وتمكّن من ذهن المتعلّم للفلسفة التي بعد الطبيعيات ، سهل عليه تصوّر ما يقوله افلاطون وارسطوطاليس ومن سلك سبيلهما.