المكان السطحي. وقوله «عالم العقل» انما هو ، على ما يقال ، عالم الجهل وعالم العلم وعالم الغيب؛ ويراد بذلك حيز كل واحد منها.
وكذلك ما قاله من افاضة النفس على الطبيعة ، وافاضة العقل على النفس؛ انما اراد به افاضة العقل بالمعونة في حفظ الصور الكلية عند احساس النفس بمفصّلاتها ، والتفصيل عند احساسها بمجتمعاتها وتحصيلاتها ما يودعه اياها من الصور الدائرة الفاسدة. وكذلك سائر ما يجري مجراها من معونة العقل للنفس. واراد بافاضة النفس للطبيعة ، ما تفيدها من المعونة ، والانسياق نحو ما ينفعها ، مما به قوامها؛ ومنه التذاذها والتلطف بها وسائر ما اشبه ذلك.
واراد برجوع النفس الى عالمها ، عند الاطلاق من محبسها ، ان النفس ما دامت في هذا العالم فانها مضطرة الى مساعدة البدن الطبيعي ، الذي هو مجلها ، كانها تشتاق الى الاستراحة (١). فاذا رجعت الى ذاتها ، فكانها اطلقت من محبس مؤذ الى حيزها الملائم المشاكل لها. وعلى هذه الجهة ينبغي ان يقاس كل ما سوى ما ذكرناه من تلك الرموز. فان تلك المعاني ، بدقتها ولطفها ، تمنعت عن العبارة عنها بغير تلك الجهة التي استعملها الحكيم افلاطون ومن سلك سبيله. وان العقل ، على ما بيّنه الحكيم ارسطو ، في كتبه في «النفس» ،
__________________
(١) هذه التفسيرات للعقل والنفس وإفاضة النفس علي الجسم ورجوعها الي عالمها بعد الموت تدل علي ميل واضح للفارابي نحو ارسطو وآرائه حول هذه القضايا. انه يفسر افلاطون هنا بحيث يتفق مع ارسطو ، كما فسر ارسطو بصدد حدوث العالم وقدمه بحث يتوافق مع افلاطون.