وكذلك الاسكندر ، وغيره من الفلاسفة ، هو اشرف اجزاء النفس ، وانه هي بالفعل ناجزة ، وبه تعلم الالهيات ، ويعرف الباري ، جل ثناؤه. فكأنه اقرب الموجودات اليه شرفا ولطفا وصفاء؛ لا مكانا وموضعا. ثم تتلوه النفس ، لانها كالمتوسطة بين العقل والطبيعة ، اذ لها حواس طبيعية؛ فكأنها متحدة من احد طرفيها بالعقل ، الذي هو متحد بالباري ، جل وعز ، على السبيل الذي ذكرناه؛ ومن الطرف الآخر متحدة بالطبيعة؛ وكانت الطبيعة تتلوها كيانة لا مكانا. فعلى هذا السبيل ، وعلى ما يشاكلها مما يعسر وصفها قولا ، ينبغي ان تعلم ما يقوله افلاطون في اقاويله. فانها مهما أجريت هذا المجرى ، زالت الظنون والشكوك التي تؤدي الى القول بان بينه وبين ارسطو اختلافا في هذا المعنى. الا ترى ان ارسطو ، حيث يريد ان يبيّن من امر النفس والعقل والربوبية حالا ، كيف يجرؤ ويتشدّق في القول ، ويخرج مخرج الالغاز على سبيل التشبيه؟
وذلك في كتابه المعروف «باثولوجيا» ، حيث يقول : «اني ربما خلوت بنفسي كثيرا ، وخلعت بدني ، فصرت كاني جوهر مجرد بلا جسم؛ فاكون داخلا في ذاتي وراجعا اليها ، وخارجا من سائر الأشياء سواي؛ فأكون العلم والعالم والمعلوم جميعا ، فأرى في ذاتي من الحسن والبهاء ما بقيت متعجبا. فاعلم عند ذلك ، اني من العالم الشريف جزء صغير؛ فاني لمحيّا فاعل؛ فلما ايقنت بذلك ترقّيت