وفي هذا إيماء إلى أنه لا يقبل من أحد قول لا برهان عليه ، والقرآن ملىء بالاستدلال على القدرة والإرادة والوحدانية بالآيات الكونية والأدلة العقلية ، كقوله : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا)
(بلى) كلمة تذكر جوابا لإثبات نفى سابق ، وردّا لما زعموه فهى مبطلة لقولهم : (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) أي بلى إنه يدخلها من لم يكن هودا ولا نصارى ، إذ رحمة الله لا تختصّ بشعب دون شعب ، بل كل من عمل لها وأخلص فى عمله ، فهو من أهلها.
(مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ) أي كل من انقاد لله وأخلص فى عمله ، فله الجزاء على ذلك عند ربه الذي لا يضيع أجر من أحسن عملا.
والآية ترشد إلى أن الإيمان الخالص لا يكفى وحده للنجاة ، بل لا بد أن يقرن بإحسان العمل ، وقد جرت سنة القرآن إذا ذكر الإيمان أردفه عمل الصالحات كقوله :
(وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً) وقوله : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ).
(وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) أي إن الذين أسلموا وجوههم لله وأحسنوا العمل لا تساور نفوسهم مخاوف ولا أحزان ، كما تختلج صدور الذين أشرب قلوبهم حبّ الوثنية ، وأعرضوا عن الهداية ، إذ من طبيعة المؤمن أنه إذا أصابه مكروه بحث عن سببه واجتهد في تلافيه ، فإن لم يمكنه دفعه فوّض أمره إلى ربه ، ولم يضطرب ولم تهن له عزيمة ، علما منه بأنه قد ركن إلى القوة القادرة على دفع كل مكروه ، وتوكل على من بيده دفع كل محظور.
أما عابدو الأوثان والأصنام فهم في خوف مما يستقبلهم ، وحزن مما ينزل بهم ، فإذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم داخلهم الهلع ولم يستطيعوا صبرا على البأساء ،