وفي الآية إشارة إلى أن كل مأمور بعبادة إذا فرغ منها وأدّاها كما أمر وبذل أقصى الوسع في ذلك ـ فعليه أن يتضرّع إلى الله ويبتهل ، ليتقبل منه ما عمل ولا يرده خائبا ولا يضيع سعيه سدى ، كما أنه لا ينبغى أن يجزم بأن عبادته متقبّلة ، ولو لا ذلك لما كان لهذا التضرع فائدة.
(رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ) أي ربنا واجعلنا مخلصين لك في الاعتقاد بألا نتوجه بقلبنا إلا إليك ، ولا نستعين بأحد إلا بك ، وفي العمل بألا نقصد بعملنا إلا مرضاتك لا اتباع الهوى ولا إرضاء الشهوة.
(وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ) أي واجعل من ذريتنا جماعة مخلصة لك ، ليستمر الإسلام لك بقوة الأمة وتعاون الجماعة ، وقد أجاب الله دعاءهما وجعل في ذريتهما الأمة الإسلامية وبعث فيها خاتم النبيين.
ومما سلف تعلم أن المراد بالإسلام الانقياد والخضوع لخالق السموات والأرض ، وليس المراد منه الأمة الإسلامية خاصة حتى يكون كل من يولد فيها ويلقب بهذا اللقب ينطبق عليه اسم الإسلام الذي نطق به القرآن ويكون من الذين تنالهم دعوة إبراهيم صلوات الله عليه.
(وَأَرِنا مَناسِكَنا) أي عرّفنا مواضع نسكنا أي أفعال الحج كالمواقيت التي يكون منها الإحرام ، وموضع الوقوف بعرفة ، وموضع الطواف إلى نحو ذلك من أفعاله وأقواله.
(وَتُبْ عَلَيْنا) أي ووفقنا للتوبة ، لنتوب ويرجع إليك من كل عمل يشغلنا عنك ، وهذا نظير قوله تعالى : (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا).
وهذا منهما إرشاد لذريتهم ، وتعليم منهما لهم بأن البيت وما يتبعه من المناسك والمواقف أمكنة للتخلص من الذنوب وطلب الرحمة من الله.
(إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) أي إنك أنت وحدك كثير التوبة على عبادك بتوفيقهم