انتقل بهم إلى التذكير بأن الذي بنى البيت هو أبوهم إبراهيم بمعونة ابنه إسماعيل ، ليجذبهم بذلك إلى الاقتداء بسلفهم الصالح الذي ينتمون إليه ويفاخرون به ، وقد كانت قريش تنتسب إلى إبراهيم وإسماعيل ، وتدّعى أنها على ملة إبراهيم ، وسائر العرب فى ذلك تبع لقريش.
الإيضاح
(وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ) أي واذكروا إذ يرفع إبراهيم قواعد البيت وأساسه ، وهذا نصّ في أنهما هما اللذان بنياه لعبادة الله في تلك البلاد الوثنية ، وجعلاه موضعا لضروب من العبادة التي لا تكون في غيره ، وذلك هو مصدر شرفه لا بكون أحجاره تفضل سائر الأحجار ، ولا بكون موقعه يفضل سائر المواقع ، ولا بأنه نزل من السماء ، فكل ما روى بصدد هذا فهو من الإسرائيليات التي لا يعول عليها ولا ينبغى تصديقها ، ولا يقبلها العلماء الذين يفقهون أسرار الدين ويفهمون مراميه ، ومن ثم قال عمر بن الخطاب عند استلام الحجر الأسود : «أما والله إنى أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ، ولو لا أنى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبّلك ما قبّلتك ، ثم دنا فقبّله» رواه أحمد والبخاري ومسلم.
وفي هذا الأثر إيماء إلى أن الحجر لا مزية له في ذاته ، بل هو كسائر الأحجار ، وإنما استلامه امر تعبدى كاستقبال الكعبة في الصلاة ، وجعل التوجه إليها توجها إلى الله الذي لا يحدّه مكان ، ولا تحصره جهة.
(رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا) أي إن إبراهيم وإسماعيل كانا يقولان في دعائهما وهما يرفعان قواعد البيت : (رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا).
(إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) أي ربنا أنت السميع لدعائنا ، العليم بنياتنا في جميع أعمالنا.