غير كثيرا من تشريعه إلى ما يناسب الشعب الذي يعيش بين ظهرانيه (المذهب الجديد) وما سرّ هذا إلا ما علمت من خضوع التشريع للزمان والمكان
ثم بين أن الشرائع إنما وضعت للاستباق إلى الخير لتجازى كل نفس بما عملت فقال :
(فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) أي إذا كان الأمر كما ذكر فسارعوا إلى ما هو خير لكم فى دينكم ودنياكم ، وابتدروا الخيرات وصالح الأعمال ، انتهازا للفرصة وإحرازا للفضل ، فالسابقون السابقون أولئك المقربون.
وإنكم إلى الله دون غيره ترجعون جميعا فى الحياة الثانية فينبئكم عند الحساب بحقيقة ما كنتم تختلفون فيه فى الدنيا من أمور الدين ، ويجازى المحسن على قدر إحسانه ، والمسيء بإساءته ، فاجعلوا الشرائع سببا للتنافس فى الخيرات ، لا لإقامة الشحناء والعداوة بين الأجناس والعصبيات.
(وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ) أي إنا أنزلنا إليك الكتاب فيه حكم الله ، وأنزلنا إليك فيه : أن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم بالاستماع لهم وقبول كلامهم ولو لمصلحة فى ذلك كتأليف قلوبهم وجذبهم إلى الإسلام ، فالحق لا يوصل إليه بطريق الباطل ، واحذرهم أن يفتنوك وينزلوك عن بعض ما أنزل الله إليك لتحكم بغيره.
أخرج ابن جرير والبيهقي عن ابن عباس قال : قال كعب بن أسد وعبد الله ابن صوريا وشاس بن قيس من اليهود : اذهبوا بنا إلى محمد ، لعلّنا نفتنه عن دينه فأتوه ، فقالوا : يا محمد إنك عرفت أنّا أحبار يهود وأشرافهم وساداتهم ، وإنا إن اتبعناك اتبعنا يهود ولم يخالفونا ، وإن بيننا وبين قومنا خصومة فنخاصمهم إليك فتقضى لنا عليهم ونؤمن لك ونصدقك ، فأبى ذلك وأنزل الله عز وجل فيهم.
(وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ ـ إلى قوله : لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) اه. يريد أن الحكمة فى إنزال هذه الآية إقرار النبي على ما فعل والأمر بالثبات على ما سار عليه من التزام حكم الله ، وعدم الانخداع لليهود.