والنهي عن المنكر.
والأصل في هذا التقسيم أنّ المولى يتعلّق غرضه بالشيء المطلوب له من الغير على نحوين :
١. أن يصدر من كلّ واحد من الناس ، حينما تكون المصلحة المطلوبة تحصل من كلّ واحد مستقلاّ ، فلا بدّ أن يوجّه الخطاب إلى كلّ واحد منهم على أن يصدر من كلّ واحد عينا ، كالصوم والصلاة وأكثر التكاليف الشرعيّة. وهذا هو «الواجب العينيّ».
٢. أن يصدر من أحد المكلّفين لا بعينه ، حينما تكون المصلحة في صدور الفعل ولو مرّة واحدة من أيّ شخص كان ، فلا بدّ أن يوجّه الخطاب إلى جميع المكلّفين ؛ لعدم خصوصيّة لمكلّف دون مكلّف ، ويكتفى بفعل بعضهم الذي يحصل به الغرض ، فيجب على الجميع بفرض الكفاية. وهذا هو «الواجب الكفائيّ».
وقد وقع الأقدمون من الأصوليّين في حيرة من أمر الوجوب الكفائيّ وتطبيقه على القاعدة في الوجوب الذي قوامه بل لازمه المنع من الترك ، إذ رأوا أنّ وجوبه على الجميع لا يتلاءم مع جواز تركه بفعل بعضهم ، ولا وجوب بدون المنع من الترك. لذا ظنّ بعضهم أنّه ليس المكلّف المخاطب فيه الجميع بل البعض غير المعيّن ، أي أحد المكلّفين (١) ، وظنّ بعضهم أنّه معيّن عند الله غير معيّن عندنا ، ويتعيّن من يسبق إلى الفعل منهم فهو المكلّف حقيقة (٢) ... إلى غير ذلك من الظنون (٣).
ونحن لمّا صوّرناه بذلك التصوير المتقدّم لا يبقى مجال لهذه الظنون ، فلا نشغل أنفسنا بذكرها وردّها. وتدفع الحيرة بأدنى التفات ؛ لأنّه إذا كان غرض المولى يحصل بفعل البعض فلا بدّ أن يسقط وجوبه عن الباقي ؛ إذ لا يبقى ما يدعو إليه. فهو إذن واجب على الجميع من
__________________
(١) ذهب إليه البيضاويّ ونسب إلى الفخر الرازىّ. راجع نهاية السئول ١ : ١٥٨ و ١٩٤ ـ ١٩٥.
(٢) لم أعثر على قائلة. وقال في فواتح الرحموت ـ بعد التعرّض لهذا القول ـ : «فلم يصدر ممّن يعتدّ به». راجع فواتح الرحموت (المطبوع بهامش المستصفى ١ : ٦٢).
(٣) كما نسب إلى قطب الدين الشيرازيّ أنّه قال : «إنّ المكلّف هو المجموع من حيث هو ، ومع اتيان البعض يصدق حصول الفعل من المجموع». راجع هداية المسترشدين : ٢٦٨.