إلى الدليل. (١)
٣. عدم ظهوره في واحد منهما ، وإن كان رجوعه إلى الأخيرة متيقّنا على كلّ حال. أمّا ما عدا الأخيرة فتبقى مجملة لوجود ما يصلح للقرينيّة ، فلا ينعقد لها ظهور في العموم ، فلا تجري أصالة العموم فيها. (٢)
٤. التفصيل بين ما إذا كان الموضوع واحدا للجمل المتعاقبة لم يتكرّر ذكره ، وقد ذكر في صدر الكلام مثل قولك : «أحسن إلى الناس ، واحترمهم ، واقض حوائجهم إلاّ الفاسقين» ، وبين ما إذا كان الموضوع متكرّرا ذكره لكلّ جملة ، كالآية الكريمة المتقدّمة ، وإن كان الموضوع في المعنى واحدا في الجميع. فإن كان من قبيل الأوّل فهو ظاهر في رجوعه إلى الجميع ؛ لأنّ الاستثناء إنّما هو من الموضوع باعتبار الحكم ، والموضوع لم يذكر إلاّ في صدر الكلام فقط ، فلا بدّ من رجوع الاستثناء إليه ، فيرجع إلى الجميع ؛ وإن كان من قبيل الثاني فهو ظاهر في الرجوع إلى الأخيرة ؛ لأنّ الموضوع قد ذكر فيها مستقلاّ ، فقد أخذ الاستثناء محلّه ، ويحتاج تخصيص الجمل السابقة إلى دليل آخر مفقود بالفرض ، فيتمسّك بأصالة عمومها. (٣).
وأمّا : ما قيل : «أنّ المقام من باب اكتناف الكلام بما يصلح لأن يكون قرينة فلا ينعقد للجمل الأولى ظهور في العموم» (٤) فلا وجه له ؛ لأنّه لمّا كان المتكلّم حسب الفرض قد كرّر الموضوع بالذكر ، واكتفى باستثناء واحد ، وهو يأخذ محلّه بالرجوع إلى الأخيرة ، فلو أراد إرجاعه إلى الجميع ، لوجب أن ينصب قرينة على ذلك وإلاّ كان مخلاّ ببيانه.
وهذا القول الرابع هو أرجح الأقوال ، وبه يكون الجمع بين كلمات العلماء ، فمن ذهب
__________________
(١) ذهب إليه الشافعيّة من العامّة ـ على ما في الإحكام (للآمدي) ٢ : ٤٣٨ ، وإرشاد الفحول : ١٥٠. واختاره الشيخ الطوسيّ في العدّة ١ : ٢٢١.
(٢) ذهب إليه السيّد المرتضى في الذريعة ١ : ٢٤٩. واختاره المحقّق الخراسانيّ في الكفاية : ٢٧٤ ، والمحقّق العراقيّ في نهاية الأفكار ٢ : ٥٤١ ـ ٥٤٣.
(٣) هذا التفصيل مختار المحقّق النائينيّ في فوائد الأصول ٢ : ٥٥٥.
(٤) والقائل المحقّق الخراسانيّ في الكفاية : ٢٧٤.