هو الأولى ، أو الحمل على النسخ؟
فالذي يذهب إلى وجوب أن يكون الخاصّ ناسخا فهو ناظر إلى أنّ العامّ لمّا ورد وحلّ وقت العمل به ـ بحسب الفرض ـ فتأخير الخاصّ عن وقت العمل لو كان مخصّصا ومبيّنا لعموم العامّ يكون من باب تأخير البيان عن وقت الحاجة ، وهو قبيح من الحكيم ؛ لأنّ فيه إضاعة للأحكام ولمصالح العباد بلا مبرّر ، فوجب أن يكون ناسخا للعامّ ، والعامّ باق على عمومه يجب العمل به إلى حين ورود الخاصّ ، فيجب العمل ثانيا على طبق الخاصّ.
وأمّا من ذهب إلى جواز كونه مخصّصا فلعلّه ناظر إلى أنّ العامّ يجوز أن يكون واردا لبيان حكم ظاهريّ صوريّ لمصلحة اقتضت كتمان الحكم الواقعيّ ، ولو مصلحة التقيّة ، أو مصلحة التدرّج في بيان الأحكام ، كما هو المعلوم من طريقة النبيّ صلىاللهعليهوآله في بيان أحكام الشريعة ، مع أنّ الحكم الواقعيّ التابع للمصالح الواقعيّة الثابتة للأشياء بعناوينها الأوّلية إنّما هو على طبق الخاصّ ، فإذا جاء الخاصّ يكون كاشفا عن الحكم الواقعيّ ، فيكون مبيّنا للعامّ ومخصّصا له ، وأمّا الحكم العامّ الذي ثبت أوّلا ظاهرا وصورة إن كان قد ارتفع وانتهى أمده ، فإنّه إنّما ارتفع لارتفاع موضوعه ، وليس هو من باب النسخ (١).
وإذا جاز أن يكون العامّ واردا على هذا النحو من بيان الحكم ظاهرا وصورة فإن ثبت ذلك ، كان الخاصّ مخصّصا ، أي كان كاشفا عن الواقع قطعا ، وإن ثبت أنّه في صدد بيان الحكم الواقعيّ التابع للمصالح الواقعيّة الثابتة للأشياء بعناوينها الأوّليّة ، فلا شكّ في أنّه يتعيّن كون الخاصّ ناسخا له.
وأمّا لو دار الأمر بينهما إذ لم يقم دليل على تعيين أحدهما ، فأيّهما أرجح في الحمل؟
فنقول : الأقرب إلى الصواب هو الحمل على التخصيص.
والوجه فيه : أنّ أصالة العموم ـ بما هي ـ لا تثبت أكثر من أنّ ما يظهر من العامّ هو المراد الجدّيّ للمتكلّم ، ولا شكّ أنّ الحكم الصّوريّ ـ الذي نسمّيه بـ «الحكم الظاهريّ» ـ كالواقعيّ مراد جدّيّ للمتكلّم ؛ لأنّه مقصود بالتفهيم ؛ فالعامّ ليس ظاهرا إلاّ في أنّ المراد الجدّي هو العموم ، سواء كان العموم حكما واقعيّا أو صوريّا ؛ أمّا أنّ الحكم واقعيّ
__________________
(١) هكذا أفاد المحقّق الخوئيّ في المحاضرات ٥ : ٣٢٠ ـ ٣٢٣.