مجازا ؛ ولكنّ المنسوب إلى القدماء أنّهم يقولون : بأنّه مجاز في المقيّد ، فينحصر قولهم في التصوير الأوّل (١) على تقدير صحّة النسبة إليهم.
ويتّضح حال هذه التعبيرات أو الأقوال من المقدّمتين السابقتين ، فإنّه يعرف منهما :
أوّلا : أنّ الماهيّة بما هي هي غير الماهيّة باعتبار اللابشرط المقسميّ ؛ لأنّ النظر فيها على الأوّل مقصور على ذاتها وذاتيّاتها ، بخلافه على الثاني ؛ إذ تلاحظ مقيسة إلى الغير. وبهذا يظهر بطلان القول الثالث.
ثانيا : أنّ الوضع حكم من الأحكام ، وهو محمول على الماهيّة خارج عن ذاتها وذاتيّاتها ، فلا يعقل أن يلاحظ الموضوع له بنحو الماهيّة بما هي هي ؛ لأنّه لا تجتمع ملاحظتها مقيسة إلى الغير وملاحظتها مقصورة على ذاتها وذاتيّاتها. وبهذا يظهر بطلان القول الأوّل.
ثالثا : أن اللابشرط المقسميّ ليس اعتبارا مستقلاّ في قبال الاعتبارات الثلاثة ؛ لأنّ المفروض أنّه مقسم لها ، ولا تحقّق للمقسم إلاّ بتحقّق أحد أنواعه ـ كما تقدّم ـ ، فكيف يتصوّر أن يحكم باعتبار اللابشرط المقسميّ؟! بل لا معنى لهذا على ما تقدّم توضيحه. وبهذا يظهر بطلان القول الثاني.
فتعيّن القول الرابع ، وهو أنّ الموضوع له ذات المعنى ، ولكنّه حين الوضع يلاحظ المعنى بنحو اللابشرط القسميّ. وهو يطابق القول المنسوب إلى القدماء على التصوير الثاني ، كما أشرنا إليه ، فلا اختلاف ، ويقع التصالح بين القدماء والمتأخّرين إذا لم يثبت عن القدماء أنّهم يقولون : «أنّه مجاز في المقيّد» ، وهو مشكوك فيه.
بيان هذا القول الرابع أنّ ذات المعنى لمّا أراد الواضع أن يحكم عليه بوضع لفظ له ، فمعناه أنّه قد لاحظه مقيسا إلى الغير ، فهو في هذا الحال لا يخرج عن كونه معتبرا بأحد الاعتبارات الثلاثة للماهيّة. وإذ يراد تسرية الوضع لذات المعنى بجميع أطواره وحالاته وقيوده لا بدّ أن يعتبر على نحو اللابشرط القسميّ. ولا منافاة بين كون الموضوع له ذات
__________________
(١) وهو القول بأنّ أسماء الأجناس موضوعة بإزاء اللابشرط القسميّ ويكون الإطلاق والسريان مأخوذا في المعنى الموضوع له.